طروحات الأحزاب المثقلة بالأمّية الأكاديمية أنتجت “الكردي التائه”
أكراد سوريا..قليل من الجرأة لإنهاء نصف قرن من الخسائر الذاتية
طيلة خمسة عقود ونيف من عمر الحركة السياسية الكردية في سوريا، لم ينجح أي تنظيم سياسي كردي في طرح رؤية واضحة لحل القضية الكردية، فقد بقيت برامج الأحزاب تدور في فلك الرؤى الصغيرة التي لا تتعدى عدة صفحات يتم فيها سرد مطالب الأكراد ضمن تسلسل يبدأ بالرقم واحد وينتهي أحيانا بالرقم عشرة او احد عشر.
اليوم لم تعد هذه الأوراق صالحة للعمل، فالثورة السورية كانت “صفعة محبة” للحركة السياسية الكردية التي تفاجأت ان أوراقها ودعواتها هي عبارة عن رؤى للحل، صالحة للنقاش بشأنها داخل الغرف والصالات فقط من دون الأخذ بعين الاعتبار الامتداد الجغرافي والعوامل الاقتصادية والاجتماعية.
ولعل الدراسة المختصرة التي قدمها القيادي في حزب يكيتي الكردي فؤاد عليكو تعتبر أولى علامات نتائج “صفعة المحبة” ، حيث عرض فيها صيغ الحل التي تتضمنها برامج الأحزاب الكردية ، وتتلخص في عناوين : “حقوق قومية – حقوق قومية ديمقراطية – حقوق سياسية ثقافية اجتماعية – الإدارة الذاتية الحكم الذاتي الفيدرالية”.
ولا بد من الاشارة إلى أن الأحزاب الكردية، التي يصعب إحصاؤها لتشابه أسمائها وتفرعها عن أحزاب أمّ تحمل نفس البرناج والاسم، لم تقم طيلة تاريخها بأي دراسة علمية جادة تبني على أساسها طروحات الحل الخاصة بالأكراد. فحتى اليوم لا يوجد أي توثيق للتوزع الكردي بدءا بالقرى والبلدات وانتهاء بالمدن. بل باستثناء حزب العمال الكردستاني، الذي يعتبر حالة كردية إقليمية اكثر مما هي محلية سوريّة، فإن هناك عشرات القرى الكبيرة التي تتوزع في مناطق الباب واعزاز والسفيرة في حلب لم تطأها أقدام أي مسؤول حزبي كردي، بل بالكاد سمع أكراد الجزيرة عن وجود الأكراد في هذه المناطق. رغم ذلك، فإن كل الطروحات التي سبق لها الادعاء بأنها الأنسب لحل القضية الكردية كانت مضيعة للوقت طيلة اكثر من خمسين عاماً. نصف قرن من الخسائر والجهود الضائعة لم تقدم فيها دراسة ميدانية واحدة عن أي ناحية اجتماعية او اقتصادية تخص الأكراد. وللمفارقة فإنه حتى مسألة التوزع العشائري يقتبسها الأكراد من استقصاء ميداني قام به كاتب عربي يدعى احمد وصفي زكريا في أربعينيات القرن الماضي.
أمام هذه الأمّية الاكاديمية للأحزاب الكردية، يضرب التشوش في عمق الحراك الكردي المرافق للانتفاضة السورية، فبعض الشباب المتحمس والمتعاطف مع حمص بدأ يخشى من اتهامه كردياً بالذوبان في “الوطنية السورية” وكأنه عيب قومي، فبدأ يرفع شعارات مثل حق تقرير المصير والفيدرالية والادارة الذاتية من دون ان يعي تماما الكيفية التي تتحقق بها هذه المطالب وما إذا كانت ممكنة أم انها سترتد سلباً على الوضع الكردي الحساس بتوزعه الديمغرافي في شمال سوريا الذي يعتبر نسخة من لبنان أخرى، لكن قومياً وليس طائفياً.
الدراسة التي قدمها فؤاد عليكو واضحة وناقدة وفيها نوع من جلد الذات “كردياً” للطروحات الخيالية أو غير التعايشية التي رددها الأكراد طيلة عقود، والتي نتج عنها حسب رأي كاتب السطور – اليوم شخصية “الكردي التائه” الذي لا يعرف من سيكون مسعود البارزاني او جلال الطالباني او عبد الله اوجلان بالنسبة له، ولا يعرف ما هي المرجعية التي ينطلق منها سواء خلال المشاركة في الحراك الثوري المطالب بإسقاط النظام او من خلال الشعارات القومية الفضفاضة.
وطرَح القيادي الكردي في الورقة التي قدمها ونشرها عبر الاعلام، من دون ان تلقى صدى ، حلاً عملياً يحقق الترابط الحقيقي بين المناطق الكردية الأساسية والتجمعات المتناثرة هنا وهناك “ولا يتم ذلك إلا من خلال نظام فيدرالي على مستوى سوريا ككل، بحيث يتم تقسيم سوريا إلى أقاليم (إدارية) وفق مبدأ اللامركزية السياسية على أن يتم تشكيل إقليم شمال سوريا ليضم محافظات حلب – الرقة – الحسكة ، وإقليم الساحل ويشمل محافظتي اللاذقية وطرطوس، والإقليم الجنوبي ويشمل (دمشق – درعا – السويداء – قنيطرة)، وإقليم الداخل أو الوسط ويضم محافظات (ادلب – حماة – حمص – دير الزور) مع الأخذ بعين الاعتبار بأن التقسيمات الإدارية الحالية ليست مقدسة”.
ورغم ان هذه الرؤية هي الأكثر عملية من بين الحلول التي تم طرحها، إلا ان فيها أيضاً نوعاً من المراعاة لردة الفعل السلبية الممكنة من جانب بعض الأكراد السوريين، فهو يطالب أن تكون حلب عاصمة للاقليم الشمالي، لكن مع المطالبة بدستور خاص للاقليم، إضافة إلى دستور الدولة الفيدرالية، يضع البلاد امام إمكانية مستقبلية ليقرر كل إقليم مصيره، وكأن المشروع يعيدنا إلى التقسيمات الفرنسية لسوريا مع تعديلات بسيطة عبر استحداث اقليم الوسط (حمص حماة ادلب دير الزور)، بينما من الممكن ان يكون هناك دستور واحد يتضمن فصلاً خاصاً بالأقاليم الادارية تراعى فيها خصوصية كل منها، حيث الاقليم الشمالي متنوع قوميا وطائفياً.
إن على التنظيمات الكردية إخراج خرائط كردستان من ادراجها ووضعها على الطاولة امام الناس، وان يرفقوها بكتيّب ودراسة علمية في أن الجزء الملحق بسوريا غير قابل ليصبح كياناً او إقليماً قومياً.
إن عدم التحلي بالجرأة سيقود مستقبلاً إلى توترات خطيرة للغاية قد تشبه صدامات منطقة البلقان التي كان سببها الرئيسي هو الاستعداد للقتال في سبيل تحقيق مشروع قومي لا تتسع له الخارطة الجغرافية. [notice/]والحقيقة المُرّة الأخرى التي يغلق كوادر الأحزاب الكردية آذانهم عنها هو انه لا توجد مدينة كردية في سوريا بالمعنى السياسي والاقتصادي (قد يقول قائل إن المناطق الكردية هي سلة غذاء سوريا من دون إدراك أن ثلاث سنوات من الجفاف قد تدفع بالأهالي إلى النزوح النهائي) ، بل إن دمشق تكاد تكون عاصمة غير رسمية للأكراد من خلال نزوحهم الاختياري والطوعي إليها من مناطق الكثافة الكردية في الجزيرة العليا. وكذلك حلب بالنسبة لأكراد غرب نهر الفرات وكوباني (عين العرب). هل أخذ دعاة حق تقرير المصير والفيدرالية القومية بعين الاعتبار مصير الأكراد المقيمين خارج المناطق المعنية بهذه الطروحات؟.
هل هناك خطة للاستفادة من الكتلة البشرية الكبيرة من أكراد حماة ودرعا واللاذقية الذين يعتبرون انفسهم اكراداً بالثقافة وليس بالقومية؟. أليس نصف الأكراد المنحدرين من القامشلي وقراها وعفرين وقراها مقيمين بصورة نهائية في حلب ودمشق؟. كيف تستقيم الدعوة إلى حق تقرير المصير مع إغلاق الطريق أمام الانفصال؟. أي تقرير مصير هذا ؟.
إضافة إلى ذلك، على القياديين الأكراد التحلي بالواقعية وتفريغ العواطف في أمور أخرى ، فالنسبة العددية لأكراد سوريا وتناثرهم وامتداد المساحة الجغرافية المفككة التي يتوزعون عليها لا تخّول (عملياً) طرح حلول كردية عراقية في سوريا. وحتى لو سمح الدستور السوري المقبل للأكراد بإقامة فيدرالية قومية، فإن سيفشل تلقائياً وقد يطالب الأكراد بأنفسهم حلّها. فهل هناك حاجة لتجربة شيء لا يوجد له سوى احتمال واحد حتمي وهو الفشل؟. تبقى رؤية فؤاد عليكو الاستثنائية في مسألة الاقليم الشمالي المكون من العرب والاكراد والأرمن والآشوريين والتركمان هو الحل الأكثر قابلية للتطبيق، لكن مع توخي الحذر من أن لا يكون منسوخاً من تجارب مقلقة في المنطقة لا تناسب حركة التاريخ وضِيق الجغرافيا وتداخل الشعوب في شمال سوريا
حسين جمو
اشكر الكاتب حسين جمو على ما تفضل به في مقالته هذه والتي اعتبرها من المقالات المهمة لنا ككورد لمعرفة الابعاد المستقبلية لقضيتنا
كما اعجبني نقده البناء للحالة الكوردية التي نعيشها حاليا بسبب الظلم والبطش المزدوج علينا كمستقلين او حزبيين …
الا انني هنا اود ان الفت انتباه الكاتب :
في كل نقاطك كنت تنظر بالبعد المستقبلي لسوريا المستقبل ولكن بالنسبة للحالة الاقتصادية للمناطق الكوردية فكان بعدك آني اكثر من ان يكون مستقبلي
فكان الاجدر بك ان تتوقف هنا وتقول ان المنطقة ستزدهر اقتصاديا بعد زوال الاستبداد والبطش حيث سيبدأ الحالة المعمارية والاقتصادي كنشوء المعامل ومصافي الغاز والنفط
فسبب زراعية المنطقة هو ان الاستبداد لم يدعك الا ان تكون مزارعا وليس في ارضك بل لصالح غيرك
كلام الكاتب واقعي لكن :
ارى ان المواطنة الحرة اضافة للاعتراف الدستوري بالشعب الكردي وهويته التاريخية على الارض السورية والاعتراف بحقوقه الثقافية وبترابطه الاخوي مع الشعب الكردي في كل العالم يكفي المواطن الكردي في هذه المرحلة
لنبني انفسنا ونبني جيلا قادرا على ادارة البيت الكردي وحينها سياتي البيت الكردي كضرورة تاريخية