الفوضى لا تبطلها الفوضى
لقد دخل ثوّار حزب العمال الكردستاني، في البداية، الى قلوبنا، بأخلاقهم وزهدهم، ومجافاتهم بهرج الحياة والسلطة. وفيما بعد، دخلوا عقولنا بأفكارهم وطروحاتهم، وملأوا الفراغ السياسي والفكري الذي كان موجوداً.
في البداية، كنّا مشدوهين بهم، بتفانيهم واخلاصهم وتضحياتهم وتواضعهم، وحسبناهم متصوّفة، يسعون الى نشر قيم الخير والحبّ والتسامح والجمال والتحرر. لم نكن ننظر اليهم كبشر عاديين. بل نتعبرهم متفوّقين علينا روحيّاً.
وحين دخل ثوّار حزب العمال عقولنا، بما طرحوه من افكار، وقدرة على مجابهة القديم فكريّاً، كنّا مشدوهين بهم ومبهورين، ونعتبرهم فلاسفة وحكماء وعتاة التفكير وأصحاب العقول النيّرة.

احدى مظاهرات مؤيدي pyd في حلب ش.سوريا 08.06.12
هذه الصورة، التي خلقها الرعيل الأوّل من هذه التجربة النضاليّة لدينا، حبّاً وإقناعاً وسلماً، وليس كرهاً وغصباً وعنوةً وجبراً، وبقوّة السلاح والتهديد والوعيد، هذه الصورة، لا زالت موجودة، لكنّها مهددة بالتصدّع.
لا قوّة السلاح وخشونة الوسائل، يمكن ان تنشر فكراً نبيلاً، وتقنع الناس به. ولا الفكر النبيل، بإمكانه التغطية على سلوك كريه وشاذّ ويقسّم البشر الى خونة وعملاء ووطنيين، وينصّب نفسه الدستور والمحاكم والقضاة، ويصدر الاحكام، وينفّذها.
قلتها سابقاً: يبدأ الزعيم الثوري، حياته زاهداً، حميماً، ودوداً، عميق الفكر والطرح. وتنصرف الحاشية المحيطة به، الى الخوض في تأليهه وتنزيهه عن الخطأ، والدفع به نحو منزلق الدكتاتوريّة. بينما تنصرف حاشية الحاشيّة، الى زيادة جرعة التأليه والتوثين، بعد استلام السلطة، وتحويله الى طاغية. انها لعبة السياسة والسلطة، بأبشع أشكالها وداوةً للعقل والمجتمع.
ما طرحه الأخ الأستاذ د. سربست، طرحته مراراً وتكراراً، وكانت ولاز الت “صرخة في واد”، لئلا تصل الحال لما هي عليه الآن. وبالتالي، لا أجدني إلاّ مع نداء د. سربست. وآمل ألاّ يكون نداءه، صرخة في واد، بل همسة العقل للعقلاء.
مصير الناس وحيوات المجتمعات ليس ألعوبة. ذلك انه يمكن ان تجبرني على فعل شيء لست مقتنعاً به، حفاظاً على حياتي. ولكنّك لم تجعلني اقتنع بواجهة ونجاعة وعقلانيّة استخدامك للعنف لفرض المشاريع والطروحات السياسيّة والفكريّة عليّ.
لقد دخل الاسلام كرهاً للاندلس. وخرج منها كما دخل. لقد دخلت السلطنة العثمانيّة كرهاً لبلاد العرب والعجم ومناطق البلقان. وأخرِجت كرهاً وجبراً. ودخل الاتحاد السوفياتي كرهاً وجبراً، وبقوّة السلاح والآيديولوجيا مناطق عديدة في العالم. وخرجت كرهاً، ومنهاراً من الداخل. غزى النازيون كرهاً العالم. ودحروا كرهاً. لقد حاولت المسيحيّة المتغطرسة، العودة كرهاً، لشرق المتوسط، وتمّ دحرها. ورحل “المسيحيون” الغلاة والتجّار والطغاة، وبقيت المسيحيّة المتسامحة.
ان التاريخ يعمي من يشاء العمى، ويبصّر من يشاء التبصّر والتعقّل.
التاريخ، كائن حيّ. هو أنا وانت والآخرون. ويجب ألاّ نكون شهود زور على الواقع. من يخون الواقع، يخونه الواقع.
قالها سارتر، يوماً ما: الآخرون هم الجحيم. وتراجع عن قولته الكريهة المقيتة. فيا “كردو”.. لا تكرر كلام سارتر، وتحاول ترسيخه وجعله فلسفة المجتمع، بقوّة سلاحك.
الأفكار سلاحاً، أقوى وأمتن وأشجع من السلاح فكراً. ذلك ان السلاح، لا يبني مجتمع، ولا يصلحه، ولا يبني إنسان أو يصلحه. السلاح، هدفه التدمير والتهديد والتخويف والترهيب والقتل. السلاح في يد الجهلة، قوّة عظيمة وعمياء. العاقل يحمل عقلاً وفكراً. والجاهل، يلجأ للسلاح. قالها العظيم مظلوم دوغان: الشتم والاهانة والتعذيب، هي وسيلة وضالّة الضعفاء.
السلاح يفسد العقل، عبر اثارة الغرائز. والعقل، ربما بإمكانه ان يعقلن السلاح، اذا كان حَمَلةُ السلاح، لديهم استعداد لذلك.
حين تتحول ذهنيّة الهيمنة الى وعي الطغمة، لا يعود هنالك مجتمع ولا عقل ولا فكر.
ما يجري في مناطق عفرين، سينتقل الى المناطق الأخرى. وهذا ما حذّرته منه قبل اشهر. وقرعت اجراس الخطر. وها قد دخل الخطر الى قلوبنا وعقولنا، بعد دخوله بيوتنا.
الفوضى، لا تبطلها الفوضى. والنار لا تطفئها النار. والخوف والذعر والقلق، مع تزايد اليأس والقنوط، بات يستشري.
خلال ثلاثين سنة من النضال المسلّح، لم يستهدف ثوّار حزب العمال الكردستاني دار البغاء والدعارة المشهور في آمد/ديار بكر (kerxana Diryarbeker) ولو برصاصة!. ليس لأن البغاء والخطيئة، امر إيجابي، يجب تشجيعه!. بل لأن الثوّار، النبلاء، لم يشغلوا انفسهم بسفاسف وتفاهات الامور، كما ينشغل بها الآن البعض، مستنزفين أنفسهم وجهدهم ونضالاتهم.
انها دعوةٌ للتعقّل، لمن لا زال تربطه آصرة بالعقل، لئلا ينهار كل شيء. ونفقد الثقة بكل شيء.
ماذا عن وجهة نظرك - بإمكانك المشاركة برأيك حول الموضوع
نحن نقدّر التعليق الذي تأخذه من وقتك لتكتبه الآن، فهو لا يساوي تعليقًا مجردًا، بل رأيًا نعتز به ونحترمه مهما كان مغايرًا، ومن المفترض أن تحترم أنت أيضًا الرّأي الآخر، وتلتزم النقد البنّاء الخالي من الشّخصنة أو الافتراء.
لا تعليقات حتى الآن
كن أول شخص يعلق ع المقالة و شاركنا وجهة نظرك.