القناعة لدى المؤتمرين والمتحاورين بعدم جدية مؤتمراتهم وحواراتهم، لاتمنعهم من الإستمرار في تكرار عقد تلك المؤتمرات التي لايمكنني إلا أن اصفها بأنها كلها وبدون إستثاء خلبية، وقناعتي بعدم جدية تلك المؤتمرات وخلبيتها، هي وراء التكرار والتصميم على الإستمرار فيها.
أي بالحرف الكبير، هذا ما يطلبه النظام من هؤلاء، والغاية منه، تنفيث غضب الشارع، وتفتيت للقوة الشبابية، وتتضيع للوقت الثمين .
ولكن من هم هؤلاء؟.. في الداخل السوري، لا أستطيع الجّزم بأن الكل من أزلام الشبيحة، إنما أنا على يقين، بأن الغالبية فيهم مسيِّرون بزعماتها، وينفذون ما يطلب منهم الكلب المسعور ماهر الوحش وليس الرئيس الغر كما يتوهم البعض .
أما في الخارج، وإن إختلفت التسمية، أي لا أجزم بأنهم من أزلام النظام أو هم مسيِّرون من زعيم الشبيحة ماهر الوحش، إنما الأغلبية فيهم، هم ممن عُوقب من قبل هذا النظام، وهم ينفذون عقاباً شبيهاً بعقاب زيزون الإغريقي، بتحميلهم صخرة التحاور والتشاور، لنقله نحو نقطة النهاية التي هي قمة اللقاءات كما يعلنون عنه أبواق النظام، إلا أنها تعود بهم القهقرى نحو أسفل السافلين!..
والسافلة هنا، هم المسيِّرون بأمر حزب التنمية والرفاه التركي وزعيمه أردوغان، وعلى رأس هؤلاء جماعة الأخوان المسلمين، الحالمون بأن يحكموا سوريا، كما يحكم اليوم أردوغان تركيا.
والبرهان الوحيد والكاف لهذا الإتجاه، ما تبلور في مؤتمر إستنبول الأخير، حين حاولوا تغيب الدور الكردي في هذا المؤتمر، أو لنقل أنهم حاولوا ومنذ البداية، عدم إعطاء المنخدعة من الكرد أية إعتبار، وتكرر هذا الأمر، في هذا المؤتمر وفي كل المؤتمرات التي سبقت .
ذكرَّني موقف الأخوان المسلمين هذا، بلقاءٍ أجريته مع ممثلٍ لليسار التركي قبل عقد من الزمن، وكان ذلك في مدينة دنهاق الهولندية، وكنت أمثل حين ذاك منظمة المثقفين الكرد في الجبهة الشعبية لتحرير كردستان التابعة لحزب العمال الكردستاني، وكنت مكلفاً حينها بسير أعمال الأسبوع الثقافي الكردي هناك.
قبل أي شئ، كلمني الرجل بلغته التركية وهو يظن بي بلبلاً تركياً، إلا أن المفاجئة الأولى كانت حين إلتفتُ لرفيقي الترجمان، وطلبت منه ترجمة ماقاله الرفيق الإشتراكي .
حينها وبعينين جاحظتين، سألني فيما إذا كنت لا أعلم التركية، جاوبه الرفيق المترجم، وقال بأن الرفيق من أكراد سوريا، توقف قليلاً عن الكلام، وبعد أن تشهق وتزفر قال:
( لا فرق..كرد أو ترك…نحن إخوة…كلنا أتراك!..)
فهمت الجملة بدون مساعدة الترجمان، لذا قلت له وبلغتي التركية الركيكة جداً :
( نعم نحن إخوة…ولكنك تركي وأنا كردي.. وهناك فرق بالتأكيد!…)
الغريب في الأمر، أن تكون الفكرة من يساري تركي يعتبر نفسه المدافع الشرس عن حق الإنسان، وبهذه لم يختلف مطلقاً عن الشيوعين في سوريا على الرغم من الغالبية الكردية في هذا التنظيم وذاك، وكأنهم يبغون من وراء إنكارهم لذاتهم إثبات أمميتهم .
القصة تتكرر، ولكن هذه المرة مع أممية من نوع آخر، زعيمها ليس لينين ولا خالد بكداش، بل أردوغان والملحق به البيانوني، فقد كرر أردوغان تلك الجملة التي قالها لي اليساري التركي مئات المرات من خلال حملته الإنتخابية في المناطق الكردية :
( كرد ..ترك..إخوة…علم واحد ووطن واحد )
وهنا أذِّكر الأخوة الكرد، الواهمون الراكضون وراء المؤتمرين والمتحاورين هنا وهناك، بأن المعارضة الحقيقية، هم من يدفعون الثمن من دمائهم، على الشوارع والأزقة في المدن السورية، وليس هؤلاء الدمى الكراكوزية الأردوغانية .
والمطلوب منكم شئ واحد لاغير، هو أن يكون لكم موقف واحد أحد، إن كنتم راغبين حقاً بأن يكون لكم في أي مؤتمر قادم، الصدراة وإحترام الرأي والإقرار بالحق .
لقد نلنا من الغدر بما فيه الكفاية، من إيماننا بالأممية عبر الأحزاب اليسارية والشيوعين، ولكي نضمن لقضيتنا النجاح، لا بد لنا أن نؤمن بأعظم الإيمان، بأنا نستحق نحن أيضاً الحياة الحرة الكريمة، وأن نلغي من أجل ذلك كل المعيقات، وحتى لا نلدغ من الجحر نفسه مرة ثانية، يجب أن نضع نصب أعيننا الحقيقة التالية، وهي أن الفرق بين البيانوني وخالد بكداش، وجهة قبلتهم فقط، ذاك إتجه نحو الشمال وهذا نحو الجنوب، وإن كان عراب البيانوني في الشمال .