منذ اندلاع شرارة الثورة السورية و امتداداً إلى شهرها الرابع, لم يتوانى الكُرد لحظةً في المشاركة الفعّالة في التظاهر و الاحتجاج تنديداً بنظام الأسد الدكتاتوري الجاثي على صدور السوريين لأربعة عقودٍ و نيّف, و لم يكن تنديد الشارع الكردي بالبعث و زمرته وليد الأمس, و إنما هو صراعٌ بدء منذ سنين طوال و قدَّم الكُرد من التضحيات ما لا يمكن لأحدهم إنكاره. ففي انتفاضة قامشلو, آذار 2004, جابه الكُرد قمع و طغيان آل الأسد دون سماع أيّ صوتٍ صديق من إخوانهم العرب,لا بل تم التنكيل بهم و تم تخوينهم, فجاءت الثورة السورية الكبرى ليُجسِّد الكُرد روح الوحدة الوطنية دون تلكّؤ, و ليتردد شعار “واحد, الشعب السوري واحد” على أفواه المتظاهرين الكُرد في كل مظاهرة و على امتداد المنطقة الكُردية في سوريا, و يتم بذلك التأكيد للجميع أنَّ روح الوطنية متأصِّلة لدى الكُرد, و التاريخ السوري خير شاهد على تضحيات الكُرد في سبيل سوريا حرة
تتهافت قوى المعارضة السورية للتأكيد على مبدأ التعددية و الديمقراطية التي سوف تكون عنواناً لسوريا الجديدة, سوريا ما بعد زوال الأسد و البعث, إلّا أنَّ موقف معظم أطياف المعارضة سواءً في الداخل السوري أو خارجه من القضية الكُردية و دور الكُرد كمكون أساسي في سوريا و حقوقهم المشروعة ضمن سوريا الموحَّدة يبين روح الشوفينية و عقلية إقصاء الآخر المتأصلتين بداخل الكثير من المعارضين الذين رأى الشعب الكردي فيهم ذخراً لمستقبل البلاد و قام بالإشادة بهم و لم ينكر تضحياتهم في سبيل تحرير سوريا من حكم البعث البائد, و قد تجسدت عقلية إقصاء الآخر في موقف كبار المعارضين في مؤتمر اسطنبول حين تمَّ تهميش المشاركين من ممثلي الشعب الكُردي السوري و جاء في بيانه إسم “الجمهورية العربية السورية” للبلاد في محاولةٍ لإلغاء الوجود الكُردي من على الخارطة الشوفينية المتجذرة في تلك النفوس المريضة, تماماً مثلما عهدنا من البعثيين في نظريتهم العروبية إقصاء الكُرد و إنكار وجودهم التاريخي في سوريا و التضحيات التي قدموها في سبيل الوطن السوري على مر السنين, و لكن الإقصاء هذه المرة كان من قِبَل المعارضين لنظام الأسد و الذين يجدون في أنفسهم قادةً للمستقبل السياسي للبلاد
عندما تظهر التناقضات مع انطلاق مؤتمر ما دُعيَ بمؤتمر “الإنقاذ الوطني”, و تنطلق معه الإدِّعائات بمستقبل سوريا كبلدٍ تسوده الديمقراطية و تكون التعددية عنوانه الأبرز, و في الوقت ذاته يتم إقصاء الشعب الكردي الذي عانى و يبدو أنه سيستمر بمعاناة التهميش و القمع و عدم الإعتراف في ظل استمرار العقلية الشوفينية حتى في ساحات انعقاد مؤتمرات المعارضة, فسيتعمق الشرخ الموجود بحكم السياسات البعثية في الشارع السوري و على أيادي البعثيين الجدد الذين يبدو أنهم قد نسوا القضية التي ادَّعوا بالنضال من أجلها, أم أنَّ طابع إقصاء الكرد سيبقى قائماً مهما حاول شعبنا الكردي إبداء روحهم الوطنية و التحامهم مع الأطياف و المكونات الأخرى للمجتمع السوري؟!..
يبدو أنَّ تلك الأطراف المعارضة للبعث و المتمسكة ببعض سياساته قد نسيت الموقف الوطني الذي أبدته الحركة السياسية الكُردية برفضها و بشدَّة كل دعوات الحوار التي قدمها النظام مؤخراً, ليضع الشعب الكُردي بذلك حقوقه المشروعة جانباً و يمضي في موقفه الوطني وفاءاً لدماء شهداء ثورة الكرامة, إلى جانب استمرار الشارع الكُردي بالتمسك بشعار إسقاط النظام و تلبية دعوات التظاهر أياً كانت الجهة الداعية ليتضامن مع درعا و بانياس و حمص و حماة و غيرها من المدن السورية التي شهدت و لازالت تشهد حصاراتٍ غاشمة على أيدي الأسديين.
مهما كان وقع صدى الإقصاء العربي القادم من مؤتمر اسطنبول مؤلماً للكُرد, سيستمر الشباب الكُردي الذي أخذ على عاتقه مسؤولية المضي في الثورة بالتظاهر المندد بحكم البعث الشوفيني, و لسوف تبوء محاولات التهميش و الإقصاء تلك بالفشل, لأن زمن الإنفراد بالقرار قد شارف على الإنتهاء, و ستنتهي مع تلك الحقبة السوداء كل أشكال الشوفينية و التمييز العنصري.