بين الوقوع في يد مراودها أو رمي نفسها من الدور الرابع، فضلت الفتاة الكردية “فريناز” الخيار الثاني، للهرب من محاولة اغتصابها على يد أحد عناصر الأمن.
“فريناز خسرواني” فتاة كردية إيرانية عمرها 26 عامًا، خريجة معهد الحاسوب وموظفة في فندق تارا، حاولت وهي في الطابق الرابع من الفندق، الهروب من الشرفة بعد أن حاول عنصر المخابرات الإيرانية الاعتداء عليها جنسيًا، حيث أدت محاولتها للهروب إلى سقوطها ومقتلها.

لم يمر الكثير من الوقت حتى علم أهل مدينة “مهاباد” ذوو التركيبة الكردية، بقصة “فريناز”، حيث خرج أهالي المدينة عن بكرة أبيهم بعد انتشار الخبر، احتجاجًا على هذه الاعتداءات والجرائم، وهاجموا الفندق وأضرموا النار فيه، ثم توجهوا إلى مبنى مديرية مخابرات النظام التي يعمل فيها العنصر المعتدي وحاصروها، وخلال هذه الأحداث، خرجت المدينة عن سيطرة قوات النظام الإيراني، رغم إنزال حشود منها وانتشارها في أحياء المدينة التي مازالت تشهد اضطرابات يطالب فيها المحتجون بمعاقبة العنصر المخابراتي، مما اضطر السلطات إلى إعلان حال الطوارئ في المدينة.
وأدت الاشتباكات بين أهالي مهاباد وقوات الأمن الإيرانية إلى مقتل وإصابة 50 شخصًا، واعتقال عشرات آخرين، وإضرام النار في عدد من العجلات والدراجات النارية الحكومية.

وتشبه واقعة فريناز حادثَ الاعتداء على الفتاة ريحانة جباري، التي تم إعدامها على يد السلطات الإيرانية، بعد طعنها لعنصر مخابرات حاول اغتصابها، بحسب ادعاءاتها.

فيديو يتناول الأحداث
قصة «مهاباد» والأكراد في إيران
يعتبر الأكراد من أقدم الشعوب القديمة فيما يعرف ببلاد فارس، حيث يعود وجودهم إلى القرن السادس عشر قبل الميلاد، وأعلن الأكراد عن ولادة “جمهورية مهاباد الشعبية الديمقراطية” بواسطة زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران قاضي محمد في 22 يناير عام 1946 وعاصمتها مهاباد، وشملت مساحتها 30% من المساحة الإجمالية لكردستان الشرقية. لكنها انهارت بعد نحو عشرة أشهر.
وبحسب تقديرات عام 2007 فإن ما يقرب من 7% من مجموع سكان إيران البالغ عددهم نحو 66 مليونا هم من الأكراد، حيث يقدر عددهم بنحو أربعة ملايين وستمائة وعشرين ألفًا، موزع أغلبهم على محافظة کردستان، ومحافظة أذربيجان الغربية، ومحافظة کرمانشاه، ومحافظة إيلام ومحافظة همدان ومحافظة لورستان ومحافظة بختياري، و”مهاباد” هي مدينة في شمال غرب إيران تقع في محافظة “أذريبجان الغربية”، ويقدر عدد سكانها بحوالي 150 ألف نسمة، وتقع جنوب بحيرة أرومية، أغلب سكان المدينة هم من الأكراد. وتوجد في المدينة أيضًا جامعة وتعد المدينة رمزًا وطنيًا بالنسبة للأكراد.

وما بين عامي 1979 و1982 اندلعت اشتباكات مسلحة بين الحكومة الإيرانية والأكراد، وكان الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني بزعامة عبد الرحمن قاسملو والحزب اليساري الكردي “كومه له” طرفين رئيسيين في الصراع.
وفي حرب الخليج الأولى ما بين عام 1980 و1988، كان الأكراد مدعومين من العراق، وتمركزت عناصر الحزبين الكرديين الإيرانيين في العراق. وفي عام 1983 تمكنت الحكومة الإيرانية من بسط سيطرتها على معاقل الحزبين. وقامت قوات الحرس الثوري الإيراني المعروفة بالباسدران باعتقال وإعدام الكثيرين من الأكراد في إيران من أعضاء الحزبين المذكورين أو المتعاطفين مع الحزبين، وتم أثناء الصراع المسلح بين أكراد إيران والحكومة الإيرانية تدمير ما يقارب 271 قرية كردية.
وبعد وصول محمد خاتمي للحكم عام 1997، قام بتنصيب أول محافظ كردي لمحافظة كردستان وهو عبد الله رمضان زاده، كما قام بتعيين بعض الأكراد في مناصب حكومية، وتم تشكيل حزب الإصلاح الكردي ومنظمة الدفاع عن حقوق الأكراد برئاسة محمد صادق كابودواند عام 2005.
وفي عام 2004، استقال ستة نواب أكراد من البرلمان الإيراني بدعوى عدم اهتمام حكومة الرئيس خاتمي بالمطالب القانونية والحقوق المتكافئة للأكراد، وفي 2005 قتلت قوات الأمن الإيرانية الناشط الكردي شوان قدري في مدينة مهاباد، مما أثار موجة من أعمال العنف استمرت ستة أسابيع في المدن الكردية: مهاباد وسنندج وبوكان وسقز بانه وشنو وسردشت.
لماذا تخاف إيران من الأكراد؟
منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، أثار تكون العراق من أجزاء قلقَ كل من إيران وتركيا من أن تقوم دولة كردية في العراق من شأنها أن تشجع الكيانات الكردية المتواجدة في بلدان أخرى.
تقول شيريين هانتر، الأستاذة في جماعة جورج تاون، إن التفكك الإقليمي لجيران إيران يزيد من خطر الحركات الانفصالية داخل إيران نفسها، إن نجاح أو فشل هذه الحركات في الداخل معتمد بشكل كبير على الظروف المحلية، فإذا كان الاقتصاد جيدًا والناس مطمئنة، فإن هذه الحركات على الأرجح لن تنجح، إذا كان الوضع هو العكس، فإن فرصها في النجاح ستكون أكبر.

ولهذا بسبب إصرار الأكراد على إجراء استفتاء على الانفصال عن العراق، فإن إيران تخاف من تأثير هذا على الأكراد في الداخل، لهذا لا يعطي المسؤولون الإيرانيون وعودًا للأكراد في إيران بأي تحسن على كافة الأصعدة، بل بالعكس تقوم إيران بسحق أي محاولة للانفصال، تمثلت مؤخرًا في حملات الاعتقال والقتل للنشطاء السياسيين الأكراد.
في حين يقول بعض المراقبين، بعكس الأكراد في المناطق الأخرى سواء في تركيا أو العراق، أن الكرد الإيرانيين أغلبيتهم غير متحمسين للانفصال عن إيران رغم وضعهم السيء، حيث أن تداعيات الانفصال في إيران ستكون أشبه بكابوس، كما أن هناك جزءًا من الأكراد يمتازون بانتماء تجاه إيران بشكل كبير، فعلى عكس البلدان الأخرى المأهولة بالسكان الأكراد، تتميز الشعوب الإيرانية بوجود علاقات لغوية عرقية وثقافية قوية بين الأكراد والفرس.
القمع والقتل في مواجهة النشطاء
ويعاني الكرد في إيران من تاريخ طويل من الاضطهاد ما زال مستمرًا حتى الآن، ففي تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر عام 2008، أفاد بأن الكرد كانوا هدفًا للحكومة الإيرانية، حيث تم قمع ومنع الأكراد من حقوقهم الثقافية والاقتصادية والسياسية، ولهذا عمل النشطاء السياسيون الأكراد المتواجدون في إيران على توثيق انتهاكات السلطات الإيرانية ضدهم خلال الفترة الأخيرة.

وفي عام 2009 قامت إيران بإعدام أول ناشط سياسي كان معتقلًا في سجونها، ليكون الأول في سلسلة لم تنتهِ، حيث تم إعدام الناشط “إحسان فاتاهيان”، وفي 2010 تم إعدام الناشط السياسي “فاسي ياساماني”، وفي نفس العام أيضًا تم إعدام 4 نشطاء بدون إخبار ذويهم، بعد أن قاموا بتعذيبهم وسحب اعترافات منهم بانتمائهم لمنظمات غير مشروعة، ومازالت مواقع المعارضة الإيرانية تنقل حتى الآن أخبار اعتقال النشطاء الأكراد في ظل تعتيم من قبل الإعلام الإيراني الرسمي وعدم تسليط الإعلام العالمي على تلك الوقائع بالشكل الكافي.
أصداء مقتل «فريناز»
وتحاول بعض الجهات المعادية لإيران سواء داخليًا أو خارجيًا حاليًا، استغلال مقتل “فريناز” لإحداث اضطراب داخل إيران، فالمجالس المعارضة المتواجدة في الخارج والهادفة للإطاحة بالنظام الإيراني الإسلامي بشكل كامل، دعت أهالي مدينة “مهاباد” إلى مقاومة الأمن وإشعال انتفاضة ضد النظام الإيراني، حيث خرجت مريم رجوي، رئيس المجلس الإيراني للمقاومة زعيمة حركة مجاهدي خلق، لتحيي شجاعة شباب “مهاباد” وتدعوهم للوقوف والتظاهر ضد النظام القمعي، في حين اقترح بعض النشطاء السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي تسمية إحدى الجمعات الاحتجاجية على اسم “فريناز”.

كما شهدت بعض المدن الكردية في تركيا وسوريا وقفات تضامنية مع المتظاهرين الكرد في مدينة مهاباد شمال غربي إيران، منها القامشلي و دياربكر ومدن اخرى ،ونظّم اكراد في بعض المدن الأوربية وقفات تضامنية مماثلة.
لا تتوفر أية معلومات عن 150 معتقل في مدينة مهاباد
تفيد التقارير الواردة من مهاباد أنه لاتتوفر أية معلومات عن مصير 150 معتقلا خلال انتفاضة المواطنين. ولا تتحمل الأجهزة الأمنية والقضائية للنظام أي مسؤولية في الرد على متابعات عوائل المعتقلين وأقاربهم. و كانت أجواء مهاباد ملتهبة وإعتقل رجال الأمن عددا آخر من المواطنين. ونشر النظام عددا كبيرا من قواته في المدينة وايضا قطع خطوط الإنترنت. ومازال هناك حكم عرفي غير معلن مفروض على المدينة.
منظمة العفو الدولية تدعو إلى وقف قمع أهالي كردستان
حذرت منظمة العفو الدولية النظام الإيراني من قمع المتظاهرين المحتجين على مقتل فريناز خسرواني المؤلم.
وجاء في بيان المنظمة الذي نشر على موقعها الرسمي: ”أعلنت العفو الدولية وعقب تفريق المتظاهرين في مهاباد بواسطة شرطة مكافحة الشغب وقوى أمن النظام الإيراني أن هناك مخاوف أكثر تجاه إعادة استخدام القمع بواسطة قوى أمن النظام الأيراني في خضم تقارير حول الاعتقالات والدعوات إلى تظاهرات أكثر.
المصادر:
مريم رجوي به مردم دلير مهاباد كه با خيزش خود درس جانانهای به رژيم و مأموران اطلاعاتش دادند، درود فرستاد
انفصال الأكراد في إيران
مهاباد تنتفض ضد حكام إيران والسلطات تعلن الطوارئ
Iranian Kurdistan
اتساع رقعة الاحتجاجات الكردية في إيران ووقفات تضامن في آمد وسروج بتركيا
أكراد إيران.. حقائق ومعلومات
Why Iran Fears Iraq’s Kurds