برزاني:خرائط سايكس بيكو مصطنعة والحدود الجديدة تُرسم بالدم

 

رئيس إقليم كردستان هو أيضاً القائد العام للبيشمركة. ولأنه يعتبر الحرب مع تنظيم «داعش» معركة وجود، يُمضي مسعود برزاني معظم وقته على خط الجبهة مجتمعاً بقادة المحاور ومفاجئاً المراكز المتقدمة بزيارات.

في غرفة عمليات قرب الحدود الطويلة مع «داعش» استقبل برزاني «الحياة». طلبنا منه أن يروي قصة هذه الحرب التي يعترف أنها أقسى من المواجهة السابقة مع جيش صدام حسين. وهنا نص الحلقة الأولى:

في 13 حزيران (يونيو) الماضي قطعتَ رحلة في الخارج وعُدتَ إلى أربيل. كيف وجدت إقليم كردستان بعد ثلاثة أيام من دخول تنظيم «داعش» إلى الموصل؟

– وجدت إقليم كردستان في وضع جديد وحساس. صار للإقليم حدود تمتد على 1050 كيلومتراً مع جار جديد هو «داعش». للأسف، حين دخل «داعش» الموصل انهار جيش (رئيس الوزراء السابق نوري) المالكي. خلال 24 ساعة وصل «داعش» إلى مشارف بغداد وتوجه شرقاً إلى مقربة من الحدود الإيرانية. إنه وضع جديد وخطر.

حين استهدف «داعش» إقليم كردستان مستفيداً من الترسانة التي غنمها من الجيشين العراقي والسوري، حقّق بعض الاختراقات والتقدم. اعتمدنا استراتيجية ذات مرحلتين: الأولى، التصدي لهجوم «داعش» والثانية الانتقال إلى الهجوم ضده. تمكنّا خلال أقل من أسبوعين من احتواء هجوم «داعش» ووقفه. ثم انتقلنا إلى مرحلة الهجوم، وكان أول ما قمنا به هو استرداد سد الموصل الذي يشكل هدفاً إستراتيجياً. ثم توالت المعارك والانتصارات إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه الآن. أستطيع القول إن قوات البيشمركة استطاعت كسر شوكة «داعش» وحققت انتصارات كبيرة.

كم هو عدد الضحايا في صفوف البيشمركة؟
– نحو 800 شهيد بينهم 300 من الضباط وضباط الصف، إضافة الى أربعة آلاف جريح.

عدد القادة الذين استشهدوا كبير؟
– قادتنا يتقدمون قواتهم. استشهد ضابطان برتبة لواء وعشرة برتبة عميد، إضافة الى عقداء ومقدّمين ونقباء وآخرين.

بماذا تشعر حين تبلغك الأخبار عن مقتل لواء أو عميد أو ملازم؟
– هؤلاء من أعزّ الناس على قلبي. حدث مرّات أنِ التقيت أحدهم صباحاً وجاءني في المساء خبر استشهاده. أعرف عدداً كبيراً منهم. بينهم من هو ابن شهيد أو حفيد شهيد. كل قطرة دم مؤلمة.

ما هي أهم المعارك التي خاضتها البيشمركة حتى الآن؟
– معركة استعادة سد الموصل، ومعركة مخمور، ومعركة معبر ربيعة الحدودي، ومعركة تحرير زمار، ومعركة تحرير جبل سنجار، ومعركة جنوب سد الموصل، ومعركة مفرق الكسك بين الموصل وتلعفر، ومعركة تحرير جلولاء والسعدية، ومعركة تل الورد جنوب غربي كركوك. كانت المعارك شديدة.

هل حاربت البيشمركة منفردة؟
– نعم، ولكن بدعم وإسناد جوي من قوات التحالف. وكانت الضربات الجوية فاعلة ومحددة بدقة.

كم كانت هذه الحرب مكلفة مالياً؟
– الحرب مكلفة جداً وأكبر من طاقة حكومة الإقليم. لكن الشعب الكردي قام بواجبه وتحمّل الجريمة التي ارتكبها نوري المالكي بقطع موازنة الإقليم. تحمّل هذه المؤامرة الخبيثة، وبادر الأثرياء والفقراء إلى تقديم الدعم كلٌّ وفق قدرته. بعض الأثرياء أخذ على عاتقه تموين محاور عسكرية من حسابه الخاص.

كم عدد عناصر البيشمركة المنخرطين في مواجهة داعش؟
– طول الحدود مع «داعش» من سنجار إلى خانقين 1050 كيلومتراً. القوات المشاركة في القتال من جانبنا هي بحدود 70 ألفاً. الحدود طويلة، لهذا تحدث أحياناً عمليات مباغتة، خصوصاً مع غياب إمكانات سريعة ومتطوّرة لنقل القوات.

مَنْ قدّم أسلحة كان لها أثر في سير المعارك؟
– لا بد أن أشكر كل الدول التي قدّمت المساعدة. الحقيقة أن الدعم الجوي الأميركي كان كبيراً. الرئيس فرنسوا هولاند اتصل فوراً وعبّر عن استعداد فرنسا. المستشارة الألمانية اتصلت. رئيس وزراء بريطانيا. ووزراء خارجية عدد كبير من الدول.

يجب أن أشير إلى وجود دعم جوي فرنسي وبريطاني وكندي وهولندي وبلجيكي. الفرنسيون قدّموا مدافع رشاشة ممتازة جداً. الألمان قدّموا صواريخ «ميلان» ونوعاً آخر أقل مضاداً للدروع. الأسلحة الألمانية ساهمت في إبطال هجمات عدة بالسيارات المفخخة. صواريخ «ميلان» أثبتت فاعليتها في شكل كبير. وحصلنا على مساعدات في مجال الذخيرة التي صنعت في دول أوروبا الشرقية. دول عدة ساعدتنا مثل كندا وهنغاريا والتشيك وبلغاريا وكرواتيا وألبانيا. الحقيقة كان هناك دعم، والأبرز فيه المدافع الرشاشة الفرنسية والصواريخ الألمانية وصواريخ أخرى أقل تطوراً.
IRAQ-CONFLICT-KURDS
لم تحصل على أسلحة ثقيلة.
– الأسلحة الثقيلة التي تمكننا من حسم كامل للمعركة لم نحصل عليها بعد. قوات البيشمركة واثقة، ولو حصلت على السلاح الذي تحتاجه للحسم لما ترددت. «داعش» لم يصمد أمام أي هجوم واسع للبيشمركة لكنه كان يلجأ إلى عمليات المباغتة والالتفاف بالسيارات المفخخة والانتحاريين. 70 في المئة من خسائرنا كانت نتيجة السيارات المفخّخة والعبوات الناسفة.

هل لدى «داعش» براعة في هذا المجال؟
– نعم.

من أين هذه الخبرة؟
– لديهم خبراء من مختلف بلدان العالم. استقطبوا ضباطاً متقاعدين من الجيش السوفياتي السابق من أوزبكستان وكازاخستان والتتار والشيشان. ولديهم عناصر من باكستان وعدد كبير من ضباط الجيش العراقي. هناك ضباط من جيوش عربية التحقوا بهم. لديهم خبراء في استخدام بنادق القنص أيضاً.

ما هي نقطة القوة لدى «داعش»؟
– السيارات المفخخة التي يقودها انتحاريون والعبوات الناسفة وبنادق القنص، ودقة في استخدام المدفعية بسبب وجود ضباط محترفين معهم.

واندفاع المتشوقين إلى الجنة؟
– هكذا يفكّرون ويتصرّفون. لدى «داعش» ما يسمى «جيش الخلافة» أو المهاجرين وهم من الأجانب الذين يقاتلون بشراسة. أعتقد أن أكثريتهم من الشيشان ومن دول أخرى. الجثث التي يتركونها أظهرت وجود جنسيات متعددة وأنا شاهدت جثث أفارقة أيضاً. عناصرهم من آسيا وأوروبا وإفريقيا. لديهم جسم آخر مقاتل يتشكل ممن كانوا في صفوف «القاعدة»، وبعد سيطرتهم على مناطق انضم إليهم من يريد أن يحمي نفسه من شرورهم أو لمداراتهم.

كم تقدّر عدد المحاربين تحت علم «داعش»؟
– نحو 50 ألفاً في العراق وسورية معاً.

هذا جيش كبير؟
– طبعاً.

وترسانتهم العسكرية؟
– غنموا أسلحة من الجيشين العراقي والسوري. استولوا على المخازن الإستراتيجية في بيجي والتي ربما يحتاجون إلى سنتين لاستكمال نقل محتوياتها. حصلوا أيضاً على أسلحة من الجيش السوري في الرقة وغيرها. غنم «داعش» نحو 1700 سيارة «هامر» أميركية مدرّعة لا يخترقها رصاص الكلاشنيكوف أو الـ «بي كي سي» سيارة مدرّعة تحمي راكبيها. لكنني أستطيع القول الآن إنهم في حال تراجع.

هل كان إقليم كردستان العراق مهدداً في وجوده؟
– بالتأكيد وكان التهديد بالغ الخطورة.

كانت إيران أول من أرسل لكم الذخائر. مَنِ التقيتَ من الإيرانيين؟
– استقبلتُ وزير الخارجية ووفداً من البرلمان الإيراني.

كان قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» أول منِ استقبلتَه؟
– أكد استعداد إيران تقديم الدعم ووصل الدعم في طائرتين إلى أربيل.

هل يواصلون إرسال الذخائر؟
– بين فترة وأخرى.

مَنِ الطرف الآخر الذي بادر إلى دعمكم، أميركا؟
– نعم، اتصل بي نائب الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية جون كيري وقائد القيادة المركزية الجنرال أوستن. أبدوا استعداد الولايات المتحدة لتقديم دعم جوي وهو ما فعلوه وكان له تأثير كبير.

هل وفّر الدعم الجوي عليكم خسائر بشرية كبيرة أم جنّبكم خسارة المعركة؟
– لا شك في أنه من دون الدعم الجوي كانت المعركة ستكون أقسى وأصعب والخسائر فيها أكثر.

إذا توقفت قوات البيشمركة في مواقعها الحالية هل تعتبرون أنكم كسبتم الحرب؟
– نحن لا نضع أمامنا حدوداً لضرب «داعش». لو نستطيع ضربهم في أي مكان لضربناهم. مجرمون وحوش ارتكبوا جرائم لا تغتفر. قواتنا وصلت الآن إلى حدود إقليم كردستان. الخطوات المقبلة تتوقف على استعداد الجيش العراقي وأبناء المناطق للتعاون معنا ونحن على استعداد. تقدُّم قواتنا من مواقعها الحالية يحتاج إلى دراسة وتفكير.

هل قدّمت روسيا لكم أي مساعدة؟
– أظن أنها أرسلت فقط طائرة مساعدات إنسانية. استقبلت بوغدانوف قبل نحو أسبوع وأبدى تعاطفاً واستعداداً للتعاون لكن لم يطرح شيئاً عملياً.

هناك حديث عن تعقيدات في صفقة الأسلحة الروسية لبغداد؟
– نعم بسبب العقوبات الغربية على روسيا.


لو سألتكَ ما هو «داعش» بماذا تجيب؟
– «داعش» تنظيم متطرف اجتمع فيه التعصب الديني والتعصب القومي. إنه لقاء بين الفكر الجهادي التكفيري وشوفينية بعض العرب. لقاء الاثنين أنتج هذا التنظيم بأفكاره المتخلفة والعنيفة والخطرة وبممارساته الفظة والسيئة. هذا عن جوهر «داعش». أما اختراق التنظيم أو توظيف ممارساته أو التأثير فيه فهي مسائل أخرى.

هل يمكن أن يتعايش الإقليم مع وجود دائم لـ «داعش» على حدوده؟
– هذا صعب جداً، بل مستحيل. لا أحد يستطيع التعايش مع هؤلاء الذين يمكن إدراجهم في خانة الوحوش، فضلاً عن أنهم لا يؤمنون أصلاً بأي تعايش مع الآخر.

ما هو دور البعثيين في عملية «داعش»؟
– في البداية التقى مع «داعش» من وقفوا ضد العملية السياسية في العراق بعد سقوط صدام حسين. الآن أعتقد أن «داعش» سيطر في المناطق السنّية وانحسر دور البعث وأشباهه.

هل عدد الضباط العراقيين السابقين المنضوين في تنظيم «داعش» كبير؟
– نعم كبير جداً. إنهم يتولّون حالياً قيادة وحدات عسكرية من «داعش».

هل يفسّر ذلك قدرة «داعش» على خوض معارك متزامنة في مناطق تفصل بينها مئات الكيلومترات؟
– تنظيم «داعش» قوي وخطر. لديه تعصّب وخبرات ومال وعنف بلا حدود. لديه أيضاً عدد من الناس المستعدين للانتحار. شرف كبير للأكراد أن يكون «داعش» انكسر ميدانياً على أيديهم.

هل تستطيع القول إنه انكسر؟
– أكاد أستطيع القول نعم أو إنه على وشك الانكسار.

ما هو مستوى التنسيق بينكم وبين الجيش العراقي؟
– الآن بعدما تولّى الأخ الدكتور حيدر العبادي رئاسة الوزراء فتح المجال أكثر للتنسيق وهو قائم حالياً.

هل يدعم الطيران الحربي العراقي البيشمركة؟
– الحقيقة أنه لا يزال ضعيفاً، ولكن، هناك تنسيق بيننا. نعرف أوضاع الجيش العراقي، وإذا تحسّنت ستكون للتنسيق نتائج جيدة. نحن على استعداد للتعاون.

هناك من يتحدث عن أن الحرب على «داعش» ستستغرق سنوات؟
– من الصعب التكهّن. ثم إن مواجهة «داعش» لا تقتصر على الشق العسكري. المواجهة يجب أن تكون على جبهات عدة، عسكرية واقتصادية واجتماعية وسياسية وفكرية. ثم إن «داعش» ليس موجوداً في العراق وحده، إنه موجود أيضاً في سورية ومصر وليبيا ولبنان. لقد حل «داعش» تقريباً مكان «القاعدة».

لماذا يجتذب تنظيم «داعش» شاباً من الموصل مثلاً؟
– أعتقد أن هناك عوامل عدة. يغرّرون بالشاب ويعدونه بالجنة والحوريّات. ثم هناك آثار النزاع المذهبي والذي يدفع بعض الشبان إلى اعتبار «داعش» مصدر قوة ومنقذاً. هناك كثير من الشوفينيين استقووا بـ «داعش» ضد الأكراد وتوهّموا أن التنظيم سيطر على الأكراد ويرغمهم على العودة إلى الجبال، وبذلك تنتهي قصة المادة 140 التي تتحدّث عن آليّة حلّ «المناطق المتنازع عليها» وفق التسمية الرائجة. ربما في سورية ومصر وليبيا هناك عوامل أخرى تتعلّق بالوضع السياسي وتركيبة البلدان.

لديكم أسرى من «داعش»؟
– نعم.

هل حصلتم منهم على معلومات عن التنظيم؟
– طبعاً. هناك من يتعاون وهناك من لا ينطق بكلمة؟

هناك من يتعاون؟
– نعم بعضهم يدلي بمعلومات جيدة.

هل اكتشفتم خلايا نائمة في كردستان؟
– لا أستطيع القول إن «داعش» غير موجود على الإطلاق، لكن الأكيد هو أن الخلايا قليلة ومحدودة. إقامة قواعد ثابتة ودائمة أمر صعب جداً. ربما تحدث عمليات تسلل لكنها ازدادت صعوبة مع ارتسام الجبهات. هناك بالتأكيد خلايا نائمة في كركوك التي كانت شهدت عمليات تعريب قسرية. للأسف هناك من ابتهجوا بانتصارات «داعش» في البداية وتناسَوا أنهم حلوا ضيوفاً في إقليم كردستان وينعمون بالأمن والخدمات.

هل تستندون إلى إجماع كردي في محاربة «داعش»؟
– نعم هناك إجماع في هذا الأمر. هناك وحدة وطنية لا سابق لها. الأكراد موحدون أمام هذا الخطر.

هل القتال ضد «داعش» أصعب من القتال ضد قوات صدام حسين؟
– نعم أصعب. نحن الآن قوة نظامية تواجه مجموعات غير نظامية. ثم إن المعركة مختلفة بأساليبها. أجرينا دورات لشبان متخصصين في الهندسة للتمكّن من مواجهة عمليات التفخيخ والألغام. سجلنا تقدماً واضحاً في هذا السياق. أعود وأكرّر. «داعش» ليس أسطورة لا تقهر. البيشمركة ضربت صورة الأسطورة التي كانت رائجة.

 

ما بعد سايكس – بيكو

نسمع كثيراً أن حدود سايكس – بيكو هرمت، ما هو رأيك؟
– الحقيقة أن حدود سايكس – بيكو حدود مصطنعة أصلاً.

البعثيون كانوا يقولون ذلك أيضاً؟
– كل طرف يتحدث من منطلقه وحساباته. لكنها فعلاً حدود مصطنعة وليست طبيعية. كل تقسيم قسري لا يمكن أن يدوم إلى ما لا نهاية. الحدود الجديدة هي حدود رُسمت بالدم في المنطقة بدلاً من حدود سايكس – بيكو.

تقصد أنه لا يمكن العودة إلى العراق السابق؟
– لا بد من صياغة عراق جديد. العراق السابق فشل. لقد تحوّلت كردستان إلى ملاذ آمن لأبناء المكوّنات الأخرى من مسيحيين وتركمان وعرب رافضين سياسة «داعش» وأخواته. لو حصل استفتاء ربما طلب بعض المقيمين خارج الإقليم أن يكونوا جزءاً منه. الإقليم يحتضن اليوم مليوناً ونصف المليون نازح من العراقيين. هذا إضافة إلى 250 ألف نازح من سورية.

كيف تصف العلاقات بين الشيعة والسنّة في العراق؟
– للأسف الشديد، نتمنى أن تكون جيدة ولو كان باستطاعتنا المساهمة في تحسينها لما ترددنا. إذا شئت الحقيقة أقول إن العلاقات بين المكوّنين الشيعي والسنّي سيئة.

ماذا تريد أميركا حالياً من العراق؟
– أتمنى لو كان لديّ جواب عن هذا السؤال وليتني أعثر على من يملك الإجابة.

ماذا تريد إيران؟
– إيران تريد أن يكون لها النفوذ الأكبر في العراق وأعتقد أن هذا الذي يحصل الآن.

ماذا تريد تركيا؟
– تركيا أيضاً تريد أن يكون لها نفوذ في العراق. لكن إيران تصرفت بدقّة أكبر وبسرعة أكبر.

هل هناك دول عربية قدّمت لكم مساعدات؟
– نعم هناك دول عربية. أشكر هذه الدول. أعتذر عن الخوض في الأسماء إذ ربما أنها لا ترغب في ذلك.

هل كان ما حصل في الموصل مفاجئاً فعلاً؟
– قبل فترة من دخول «داعش» المدينة وردتنا معلومات أن المتطرفين يقيمون قواعد في منطقة الحضر جنوب غربي الموصل قرب الحدود السورية. بعثت برسائل إلى المالكي عن طريق السيد عمار الحكيم وعن طريق الدكتور روج شاويش (نائب رئيس الوزراء حالياً) وعن طريق السفير الأميركي آنذاك ستيف بيكروفت (الموجود حالياً في القاهرة)، قلت لهم أبلغوه أنه منشغل بالأنبار وغير مهتم بالموصل التي أصبحت ساحة مفتوحة. واقترحت أن نقوم بعملية مشتركة لمنع سيطرة المتطرفين على الموصل ومحيطها.

هذا كان متى؟
– في كانون الأول (ديسمبر) 2013، أي قبل سبعة أشهر من سقوط الموصل في يد «داعش». لم يهتم المالكي. اتصلت به هاتفياً، أعتقد في بداية 2014. قلت له: أخي أبو إسراء الوضع خطر في الموصل، فلنقمْ بعملية مشتركة، أنا لا يجوز أن أرسل البيشمركة وحدها. الموضوع يثير حساسيات بين الأكراد والعرب. ثم إن قوات الحكومة موجودة في المنطقة. هناك الفرقة الثانية من الجيش العراقي. وهناك فرقة من الشرطة الاتحادية وقطعات أخرى. نحن على استعداد لتحمل العبء الأكبر. لكن فلتكن العملية مشتركة. أجابني: أخي أبو مسرور أنت دير بالك على الإقليم ولا تقلق خارجه فالوضع تحت السيطرة.
سمعت أن المالكي أنكر هذه الاتصالات. الأشخاص أحياء ويمكن سؤالهم.

وماذا بعد ذلك؟
– راح تنظيم «داعش» يتمدّد. الحقيقة أن التنظيم لم يكن يحلم بالسيطرة على الموصل ولم يتوقّع. معلوماتنا تفيد بأنه كان لديه اتصالات مع حراس سجن بادوش (أشار إلى موقع في الخريطة غرب الموصل مسافة عشرة كيلومترات). كان يريد تحرير سجنائه الموجودين هناك ومشاغلة معسكر الجيش لتنفيذ هذه المهمة. في السابق كانت تحدث مناوشات… أرسل المالكي قائد القوات البرية ونائب رئيس الأركان للعمليات باعتبارهما ضابطين هائلين.
أطلق «داعش» قذائف في اتجاه معسكر الغزلاني لتغطية عملية تهريب السجناء وإذ بالضابطين اللذين أرسلهما المالكي يفرّان فالتحق بهما قائد الفرقة. انتشرت حالة الانكسار هذه كالنار في الهشيم فتبدّد العسكر. كان هناك في الموصل شبه تحالف بين القوى المعارضة للعملية السياسية والناقمة على سياسة المالكي إضافة إلى خلايا نائمة وبقايا من البعث. تفكّك الجيش فهبّت المدينة بأسرها وامتدت العملية.

هل تجزم أن «داعش» لم يكن يتوقع سقوط الموصل في يده؟
– لم يتخيل. هذه مسألة كبيرة وفظيعة. الجيش لم يقاوم. كبار الضباط لجأوا إلى حاجز للبيشمركة. أنقذناهم وأرسلناهم إلى بغداد بناء على طلبهم. هناك مناطق قمنا بحمايتها كما في جنوب كركوك ومناطق قريبة من سد الموصل. كان هناك من يعاتبنا لأن قواتنا دخلت هذه المناطق. أمر غريب. هل كانوا يفضلون تركها لـ «داعش».

ثمة أمر غريب هنا. بعد سقوط الموصل بدأ المالكي ومن حوله يتحدثون عن ضلوعنا في مؤامرة لإسقاط الموصل، ووصلوا في الافتراءات إلى حد الترويج لوجود غرفة عمليات مشتركة بين البيشمركة و «داعش». تصوّر هذا البحر من الافتراءات والأكاذيب لتغطية الفضيحة. بعد سقوط المدينة قالوا أرسِلوا قواتكم إلى المدينة، فقلنا تأخرتم، أنا لا يمكن أن أتسبّب في إثارة قتال عربي- كردي. لو أن المالكي استمع إلينا في الوقت المناسب لما وقع كل هذا الذي تراه الآن.

أمام ما حصل اجتمعت الأحزاب الكردية. قلنا نراقب الوضع وندافع عن حدودنا في حال التعرض لنا. الحمد لله تغيرت الأوضاع لاحقاً وجاءت حكومة جديدة وصار هناك فرصة للتنسيق.

 

لماذا فعل «داعش» ما فعل؟
– في اعتقادي أنه مدفوع وهو نفّذ أجندتين: الأولى أنه دفع من أجل تحجيم القضية الكردية بعد وصولها إلى مرحلة متقدمة جداً في موضوع الاستفتاء والاستقلال. وأنا أقول أن لا «داعش» ولا من هو أكبر منه يستطيع كسر إرادة الشعب الكردي وخياراته. العملية مستمرة. الأجندة الثانية هي أجندة شوفينيين عرب قاموا بالاستقواء بـ «داعش» ودعمه على أساس أنه سيحسم مصير ما يسمى «المناطق المتنازع عليها». لكنهم أخطأوا في الحسابات. لم يتوقعوا أن يكون الدعم الأميركي والأوروبي بهذه السرعة. ولم يقدّروا جيداً قدرة البيشمركة والشعب الكردي على الصمود.

حين قالت الأحزاب الكردية ندافع عن مناطقنا، هل يشمل ذلك «المناطق المتنازع عليها»؟
– لم نسمح لـ «داعش» بالسيطرة على بعض المناطق مثل كركوك وطوز خرماتو وزمار وسنجار في حينه.

ما هو حجم المناطق التي تدافع عنها البيشمركة اليوم؟
– أكثر من 60 ألف كيلومتر مربع.

منطقة كبيرة؟
– وغنية أيضاً (يضحك).

هل ظهر دور لعزة الدوري (نائب صدام حسين سابقاً) في هذه الحرب؟
– في البداية تعاون البعثيون مع «داعش» أسوة بتنظيمات سنّية معادية للعملية السياسية. الآن يسيطر «داعش» في شكل كامل على المناطق التي يحتلها، ولا أعتقد أن الآخرين يلعبون أي دور فـ «داعش» لا يؤمن لا بالحلفاء ولا بالشركاء. «داعش» يريد المبايعة.

هل يعني هذا أن هدف ضرب الأكراد جزء أساسي من برنامج تحرك «داعش»؟
– نعم، الهجوم الذي استهدف الأكراد كبير وخطير.

أوليس غريباً أنك لم تلتقِ بعد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي؟
– الحقيقة أنني منشغل جداً بالوضع في كردستان والحرب والجبهات. لم تحدث فرصة لي لزيارة بغداد وهو أيضاً منشغل. كنت أرغب في أن يكون هناك لقاء سواء في بغداد أو أربيل. آمل بأن يحدث ذلك في المستقبل.

كيف استقبلت ما حلّ بالإيزيديين وهل تخيّلت مصيراً مشابهاً للأكراد ككل؟
– استقبلت المشاهد بالأسى والغضب والتصميم. الإيزيديون أكراد أصلاً. ديانتهم تختلف. لم أكن أستبعد إقدام «داعش» على قتل أكراد. لكن لم يخطر ببالي أن يقدم أي فريق، مهما بلغ من الوحشية والإجرام، على سبي النساء. هذا لم أتوقعه، وقد أحدث شرخاً لن يندمل إلى الأبد بين مرتكبي هذه الجرائم من جهة وبين الأكراد من جهة أخرى. لن نسامحهم ولن نسكت عن جرائمهم.

هل كانت الارتكابات على يد المسلحين الوافدين من الخارج؟
– كانت من صنع المسلحين الوافدين ومسلحين محليين ممن لعبوا على الأقل دور الأدلاء. فرّ هؤلاء من مسرح الجريمة لكننا نعرفهم. لن نقوم بأي انتقام عشوائي. سيمثل المتهمون أمام محاكم تتوافر فيها كل شروط العدالة. مستحيل أن نسامح أحداً شارك في سبي النساء وعمليات الاغتصاب.

هل كانت حوادث الاغتصاب حقيقية؟
– إنها حقيقية وأكثر من حقيقية.

وسبي النساء؟
– نعم. تصوّر في هذا العصر يجتاح مسلحون قرية ويقتلون الرجال ثم يأخذون النساء ويغتصبونهن ثم يعلنون عن سبي النساء. هذا فظيع. في الحرب تَقتُل وتُقتَل. تَعتقِل وتُعتَقَل. دعني أقل ْصراحة، تعرّضنا سابقاً لحملات الأنفال والأسلحة الكيماوية والمقابر الجماعية، كل تلك الارتكابات كان وقعها أقل من مسألة سبي النساء واغتصابهن.

بماذا شعرت حين بلغتك هذه الأنباء؟
– كاد قلبي أن ينفجر.

ماذا قرّرت؟
– قرّرت الذهاب في الحرب على «داعش» إلى الآخر وبلا هوادة. والدليل أنني استقبلك اليوم على خطوط الجبهة وليس في أربيل. إنها معركة مصير، كانوا يريدون القضاء على الأكراد.

هل هناك خبراء إيرانيون في كردستان؟
– لا. لدينا عدد من الخبراء والمدربين الغربيين وضباط تنسيق مع القوات الجوية.

ما هي أهم معركة خاضتها قوات البيشمركة؟
– من الناحية المعنوية معركة جبل سنجار. من الناحية العسكرية معركة الكسك.

هل كانت معركة الكسك قاسية؟
– جداً. أظهرت «داعش» مقاومة شرسة هناك في المنطقة التي تقع في منتصف الطريق بين الموصل وتلعفر. استعادت البيشمركة هذه المنطقة بعد معارك طاحنة على ثلاثة محاور. محور غرب نهر دجلة ومحور شرق دجلة ومحور حسن جلاد. انتهت المعركة بقطع الطريق بين الموصل وتلعفر وتحرير جنوب سد الموصل إلى نهر دجلة. استخدمت «داعش» بكثافة السيارات المفخّخة والانتحاريين.

كم تقدّر مساحة المناطق التي حرّرتها البيشمركة خلال هذه الحرب؟
– لا أستطيع أن أعطيك رقماً بالغ الدقة لكنها بحدود 17 ألف كيلومتر مربع.

كيف يمكن الخروج من هذه الحرب؟
– بقصم ظهر «داعش» في حرب عسكرية وأمنية وسياسية واقتصادية وفكرية. أنظر إلى أفغانستان. جيوش كبيرة وقوية ومتطوّرة تقاتل منذ 14 عاماً. وهناك تجربة الجزائر. لا أعتقد أنها ستنتهي بسرعة، لكنني أستطيع القول إن سيطرة «داعش» على الجبهات العلنية لن تدوم كثيراً. أما الحديث عن القضاء نهائياً على «داعش» فأنا أعتذر عن عدم التكهن في هذا الموضوع.

لو أُعطِيت قوة عسكرية ملائمة، هل تستطيع حسم المعركة ضد «داعش»؟
– عسكرياً إذا حصلنا على أسلحة ثقيلة متطوّرة سنحسم المعركة عسكرياً بسرعة هائلة.

من أين يمكن أن تحصلوا على هذا السلاح؟
– من العراق وعبر العراق أو مباشرة. إذا أُريد لنا أن نلعب دوراً حاسماً في المعركة ضد «داعش» يجب أن تكون لدينا أسلحة مناسبة.

ما هي هذه الأسلحة؟
– دبابات وطائرات هليكوبتر حربية. أحياناً الهليكوبتر أكثر فاعلية من الطائرات المقاتلة في هذا النوع من الحروب. الدبابات أيضاً أساسية ومعها ناقلات مدرّعة للجنود.

من المستبعد أن توافق بغداد على تسليمك هذا النوع من الأسلحة، خصوصاً بعد قولك إن الحدود تُرسم بالدم؟
– دعني أوضح موضوع الحدود. لنكن واقعيين. إن الحدود الجديدة تُرسَم بالدم بين الدول أحياناً وداخل الدول أحياناً أخرى. إنها حدود المجموعات والأدوار والمخاوف والضمانات والتطلعات. الأزمات التي تعيشها معظم الدول هي أزمات مكونات وهويات. أنظر إلى ما يحدث في اليمن وانظر إلى ما يحدث في سورية. دول أخرى تعيش مشكلات قبلية وجهوية مثل ليبيا. المعادلات التي دامت عقوداً وولدت من الحرب العالمية الأولى اهتزّت بعنف.

أعود إلى السؤال. إذا لم توافق الحكومة العراقية على تقديم هذه الأسلحة سيكون لكل حادث حديث. الآن العراق ليس لديه إمكانات. إذا توافرت الإمكانات لا بد من تنفيذ ما اتفقنا عليه. أي أن تكون للبيشمركة حصة من التجهيزات العسكرية التي تحصل عليها بغداد. لن نقبل أن يتكرر ما حصل مع المالكي الذي صادر كل حصتنا من الأسلحة والتجهيزات. لن نسكت بعد الآن على ذلك. يجب أن نحصل على حصتنا. إذا تسلم العراق 300 دبابة يجب أن نأخذ حصتنا منها.

وإذا تسلم طائرات هليكوبتر؟
– نعم، طالما أن البيشمركة جزء من منظومة الدفاع العراقية فلماذا تُستثنى؟

إذا كانت الأخطاء التي ارتُكبت في التعامل مع العرب السنّة في العراق سهّلت ظهور تنظيم «داعش»، فإن مسعود برزاني يتخوّف من أن يكون العرب السنّة الخاسر الأكبر من هذه الحرب التي أطلقها التنظيم.
بعد زيارة بغداد وأربيل يشعر الصحافي الزائر بأن إطلالة «داعش» ساهمت في تعميق التفكك العراقي، وأن «المحاولة الأخيرة» التي يبذلها رئيس الوزراء حيدر العبادي لن يقيّض لها النجاح إلاّ إذا سلّمت المكونات بضرورة صياغة جديدة لوضع العراق.
هذا ما يقوله مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان، وهنا نص الحلقة الثانية الأخيرة من حديثه:

هل كان من الصعب إخراج «داعش» من جبال كردستان لو نَجَحَ في الوصول إليها؟
– كان الأمر سيؤثر بالتأكيد في ما بنيناه من استقرار واقتصاد. لكن أن يأتي «داعش» ويستقر في كردستان، هذا مستحيل. من زمن زينفون لم يستطع محتل أن يستقر في كردستان. لا البعث استطاع ولا العهد الملكي ولا العثمانيون ولا العباسيون ولا الأمويون. لا أحد استطاع ولا أحد يستطيع. لا أقول ذك من باب الغرور بل استناداً الى التجارب. وحدهم الأكراد يستطيعون الاستقرار في كردستان.

أنا لا أنكر أن ما حدث في الشهور الماضية أثّر في الوضع الاقتصادي والتنمية والوضع المعيشي. لا يستقر محتل في كردستان إلا إذا أبيد الشعب الكردي، وهذا مستحيل.

في لقاءاتك السابقة كنت مسروراً بالاستقرار وعلامات الازدهار. هل كنت تتوقع العودة إلى إدارة معارك؟
– شعور مزدوج. لدي استعداد دائم للعودة الى ساحات القتال إذا شعرت ان الخطر يحدق بالأكراد. هذا قراري، وهذا واجبي. لكنني كنت أتمنى ألا نعود الى ايام القتال فقد جرّبها شعبنا ونعرف أثمانها. وبأمانة أقول إنني بذلتُ جهوداً كبيرة كي لا نصل الى هذه الحال. للأسف كان هناك من لا يستمع.

نحن عشنا عقوداً من المآسي. وكان طموحنا أن نحسن ظروف حياة الناس وأن نبني اقتصادنا وأن نتعاون مع جيراننا وأن نكون نقطة لقاء وتواصل وازدهار. لكن يبدو أن الأعداء ما زالوا أسرى النيات السيئة ولا بد من التصدي لهم.

هل عدت الى لعب دور الجنرال؟
– (يضحك) أنا لستُ جنرالاً، أنا جندي في البيشمركة.

لكنك تمضي وقتك في التنقل بين الجبهات وفي الاجتماعات مع العسكريين؟
– رئيس الإقليم هو القائد العام لقوات البيشمركة. هذا موقعي وهذا واجبي. وبحكم التجارب السابقة لدي شيء من الخبرة. لهذا أجتمع مع قادة المحاور وكبار الضباط. نتابع الوضع ونضع الخطط ونحذف ونعدّل ونضيف ثم ننتقل الى مرحلة التنفيذ. وللأمانة لدى قادة البيشمركة تدريب وانضباط وخبرة واستعداد غير محدود للتضحية.

هل تستفيدون حالياً من خبرات أجنبية؟
– نعم هناك بعض الخبراء والمستشارين من دول مختلفة. أحياناً يقدمون آراء مفيدة. وهناك تنسيق جيد مع القوات الجوية للتحالف. هناك مسألة مهمة. حتى هذه اللحظة لم يتعرض هدف مدني للقصف، علماً أن أخطاء تحصل في الحروب. التحالف يشن الغارات بدقة وتحفّظ شديدين كي يتفادى أي خسائر في صفوف المدنيين. يتفادون أحياناً ضرب «داعش» إذا كان متحصّناً بين المدنيين.

هل تستطيع ان تكون صديق جو بايدن وقاسم سليماني في الوقت نفسه؟
– أنا لدي قضية شعبي، وصداقاتي مع الآخرين تُبنى في ضوء مواقفهم من هذه القضية. هذه ليست مسائل شخصية على الإطلاق. أنا تهمني قضيتي ولن أكون جزءاً من مشكلة أميركا مع إيران أو مشكلة إيران مع أميركا. أنا في حرب مصيرية مع عدو شرس اسمه «داعش». إذا ساعدني بايدن أو سليماني يجب أن أشكره.

هل عرض الإسرائيليون اي مساعدة على إقليم كردستان؟
– لا هم عرضوا ولا نحن طلبنا. لم يحدث شيء من هذا النوع. لو حصل شيء من هذا النوع لكنت سمعت المزايدات، خصوصاً من قبل الذين يتصلون بإسرائيل سراً ويهاجمون من يتصل بها علانية. هذا الموضوع لم يُطرح أصلاً.

كم تقدّر عدد قتلى «داعش» في المعارك مع البيشمركة؟
– أتصور أنه ليس أقل من ثلاثة آلاف قتيل. ربما أكثر.

كيف تقوّم المعارك التي يخوضها الجيش العراقي ضد «داعش»؟
– للأسف تكبد الجيش خسائر كبيرة في الأنبار لأن المالكي كان يرسله الى المعارك بلا خطط جدّية ومدروسة. الوقائع معروفة. تعرضت فرق عدة للاستنزاف والوقوع في شراك الإرهابيين، وهوجمت أرتال ولحقت بها أضرار كبيرة. تعرض الجيش العراقي لمأساة. ست فرق عسكرية انهارت لدى دخول «داعش» الموصل وتوسعه من هناك.

تردد انها أربع فرق؟
– لا، ست، الفرقة الثانية والثالثة والرابعة والخامسة وفرقة الشرطة الاتحادية ولا أذكر الآن السادسة. لقد انهار الجيش الذي درّبته اميركا وأنفقت عليه بلايين الدولارات. جهد سنوات انتهى خلال 24 ساعة. أعتقد أنه بقيت فرقتان لحماية بغداد. الحقيقة ان العمليات العسكرية يقوم بمعظمها «الحشد الشعبي»، أي الميليشيات المساندة.

لكن مشاركة «الحشد الشعبي» تطرح إشكالات، وقد اتهم بعمليات تطهير مذهبية في ديالى ومناطق أخرى؟
– هناك مشاكل، لكن الجيش العراقي ليس قادراً حتى الآن على التحرك بمفرده. يحتاج إلى إعادة بناء وتنظيم. في العمليات الحالية تشارك وحدات صغيرة من الجيش الى جانب «الحشد الشعبي».

برأيك من أنقذ بغداد من السقوط، نداء آية الله علي السيستاني؟
– بلا شك كان له تأثير كبير. كان الجيش على وشك أن ينهار بكامله. نداء السيد السيستاني كان له دور كبير. ثم ان الإيرانيين قدّموا دعماً كبيراً وسريعاً للجيش العراقي والحشد الشعبي وخبراء ومستشارين. لا أملك معلومات عن تدخل وحدات قتالية.

نحو صيغة جديدة للعراق

هناك شعور أن الأكراد يريدون أقصى ما يمكن أخذه من العراق استعداداً لمغادرته؟
– إذا حصل قرار بالمغادرة فإن أول من نفاتحه هو العراق ويجب أن يتم ذلك بالتفاهم معه.

الطلاق المخملي غير وارد في هذا الجزء من العالم؟
– الدنيا تغيّرت وكل شيء ممكن، لماذا نخدع أنفسنا؟ العراق مقسّم عملياً. والواجب: إما أن نبحث عن صيغة جديدة يكون فيها التعايش اختيارياً وعلى قاعدة الاعتراف بالآخر والمساواة، وإما أن نستمر في إنكار الحقائق فيما العراق مقسم عملياً. نحن أبدينا مرونة وسنُبدي مرونة للتفاهم مع الحكومة الجديدة في بغداد، لكن لا يمكن ان ننتظر الى الأبد. يجب ان نضع ركائز استقرار وأن ننصرف إلى معالجة مشاكل التنمية والتعليم والازدهار. لا يمكن ان نبقى أسرى نزاعات لا تنتهي.

هل يمكن ان يبقى العراق موحّداً بعد هذا الانهيار الكبير؟
– المسألة ليست سهلة، لكن، هناك إمكانية إذا حصلت صياغة جديدة للوضع العراقي. إن العراق يحتاج الى صيغة جديدة كي يبقى موحداً.

سمعت في بغداد أن العرب السنّة قد يكونون الخاسر الكبير من الحرب الحالية التي تدور في مناطقهم، مع ما تعنيه الحرب من معارك وتهجير وخسائر؟
– نعم وبصراحة، الخاسر الأكبر في هذه الحرب هم العرب السنّة (في العراق). كل المعارك تدور في مناطقهم. دُمِّرت مناطق كثيرة. هم الخاسر الأكبر بالتأكيد. لهذا يُفترض ان يسارعوا الى التوحد واتخاذ قرار صريح بألاّ يسمحوا بأن تكون لديهم مناطق حاضنة للإرهابيين مهما كلف الثمن.

الحقيقة ان سياسيين من العرب السنّة أخطأوا بعد سقوط النظام بالوقوف ضد العملية السياسية. الآن جاء «داعش» وهو قتل من السنّة أكثر مما قتل من الآخرين. أعتقد أنه قتل من السنّة أكثر مما قتل من الشيعة والأكراد. إعدامات جماعية في الرمادي والموصل وفي سورية ايضاً.

بماذا تنصح العرب السنّة في العراق؟
– أن يكونوا واقعيين وأن يقبلوا بالشراكة ويسعوا الى شراكة حقيقية وأن يحسموا المعركة مع الإرهاب ليشاركوا في نظام يقوم على المصالح المتبادلة وقبول الآخر. أنا لا أحمّل أخطاء المرحلة الماضية لطرف واحد. ورأيي بحكومات المالكي وسياسته معروف. الخطورة على السنّة تأتي من شريحة لديهم لا تزال ترفض قراءة التطورات وموازين القوى ومستلزمات التعايش والاستقرار. تصور أنه لا يزال هناك فئة تنكر أبسط الحقوق للأكراد. هذه الشوفينية قاتلة. يجب أن يكون لديهم تصور جامع يبعدهم تماماً وبصورة قاطعة عن التكفيريين والإرهابيين. ويجب أن تكون لديهم قيادة موحدة تعبّر عن تصورهم. سبق أن نصحتهم بذلك ومنذ سنوات.

أقول وبكل أسف اننا تعرضنا لعمليات غدر وخيانة كبيرة جداً من عشائر عربية كنا نعتبرها من الحلفاء بل الإخوان ولدينا صداقات قديمة معها. للأسف بعض أبناء هذه العشائر عملوا أدلاّء لـ «داعش» وطعنونا من الخلف. طبعاً لا أنكر أبداً وجود أناس طيبين وعشائر حافظت على قيم الصداقة والتعايش، لكن، هناك من اعتقدوا أن عهد «داعش» سيدوم فارتكبوا ما ارتكبوا.

كوباني ووليد المعلم

هل عرض عليكم النظام السوري اي مساعدة أو تنسيق ضد «داعش»؟
– لا.

هل هناك اي اتصالات معه؟
– لا. نُقِل إلي تصريح منسوب الى وزير الخارجية وليد المعلم يقول فيه انهم سيدعمون أطرافاً في كوباني لكسر شوكة مسعود برزاني. إذا كان ما نُقِل صحيحاً أو دقيقاً فإن ردي عليه هو أنه أصغر من أن يكسر شوكة مسعود برزاني.

قصة كوباني (عين العرب) معقّدة بموقعها وأطرافها؟
– هي فعلاً قصة معقّدة ومؤلمة وجميلة ومحزنة ومفرحة. كوباني مدينة كردية تماماً. غيّروا اسمها وجعلوه عين العرب. يريدون إزالة الملامح الكردية. ما هذه الشوفينية؟ تبعد كوباني عن حدودنا نحو 300 كيلومتر وهي أيضاً مثل رأس سنجار منطقة معزولة. هناك منطقة القامشلي والحسكة، لكن التعريب الذي حدث عزل كوباني عنهما كما عزلها عن منطقة عفرين. عندما تعرضت كوباني للهجوم الشرس من «داعش» تألمنا لكن لم تكن في اليد حيلة ولا نستطيع الوصول إليها براً. وليست لدينا إمكانات الوصول إليها جواً. كل الطرق مسدودة أمامنا وكنا نتلقى نداءات استغاثة.

أجرينا اتصالات مع اصدقائنا الأميركيين. قام الأميركيون بعملية إنزال جوي للذخائر التي قدمناها. بعد ذلك جرى اتصال بيني وبين وزير الخارجية الأميركي جون كيري. سألني: هل يمكن أن تُرسلوا قوات من البيشمركة الى كوباني؟ فأجبت اننا على استعداد إذا توافرت طريق. وعدني بالاتصال بالجانب التركي للعثور على حل. اتصل بنا الأتراك وقالوا إنهم سيقدّمون التسهيلات إذا كنا راغبين في إرسال قوة.

الحقيقة لم أكن أتوقع أبداً أن يسمح الأتراك لنا بعبور أراضيهم للوصول إلى كوباني. كان موقفهم بمثابة بُشرى. بموجب الدستور لا أستطيع إرسال قوات إلى خارج الإقليم من دون موافقة البرلمان. انعقد البرلمان وفوّضني. اتصلت بالإخوان في كوباني. قبل ذلك كان عُقد في دهوك اجتماع للأطراف الكردية في كوباني وقالوا: نحن لا نحتاج الى قوات للمشاركة في المعارك بل إلى قوة إسناد. أبلغنا الأميركيين والأتراك اننا على استعداد لإرسال 3 آلاف عنصر من البيشمركة إلى كوباني، لكن المسؤولين هناك يقولون إنهم في حاجة فقط إلى قوة إسناد. أرسلنا سرية إسناد مجهزة بالمدفعية وفَّرَت إسناداً نارياً كثيفاً. طبعاً مع الدور الذي لعبه طيران التحالف.

الحمد لله أن «داعش» فشل في احتلال كوباني ومُني بهزيمة نكراء. كان استقبال قوة الإسناد لدى عبورها نحو كوباني حاراً وحميماً. تصوّر أن شباناً راحوا يقبّلون السيارات التي تقل البيشمركة، بينهم من قبّلوا الأرض التي عبرتها القافلة.

كيف تقوّم وضع أكراد سورية في الأزمة الحالية؟
– إنه وضع معقّد ضمن وضع أكبر شديد التعقيد. سنبذل كل جهد ممكن لمساعدتهم في الخروج من هذه الأزمة بمكاسب أو على الأقل كي لا يُصابوا بخسائر. وضع صعب ومعقّد.

إلى أين تذهب سورية برأيك؟
– أعتقد أن الحل العسكري صعب جداً وأن الحل السياسي أصعب. للأسف يبدو ان الوضع الحالي مستمر وهي دولة لدينا حدود معها.

ما هي النقطة الأبرز في تعقيدات الوضع الكردي في سورية؟
– أصل المسألة هو السؤال: هل النظام السوري مستعد للاعتراف بوجود شعب كردي في سورية؟ هل المعارضة السورية مستعدة لمثل هذا الاعتراف؟ حتى الآن لم يظهر الطرفان استعداداً للاعتراف بوجود هذا الشعب.

هل تعتقد أن أكراد سورية يمكن ان يقبلوا بالعودة الى ما كانوا عليه قبل اندلاع الثورة؟
– من الصعب أن يقبلوا. الحقيقة، لا أعرف كيف ستتطور الأوضاع.

هل هناك اتصالات بينك وبين عبدالله أوجلان زعيم «حزب العمال الكردستاني» المعتقل في تركيا؟
– نعم هناك اتصالات احياناً. جرت اتصالات عبر الأخت المناضلة ليلى زانا (نائبة في البرلمان التركي). جرى تبادل للرسائل أعرب فيها عن الرغبة في التعاون. مواضيع عامة.

طبعاً هناك اتفاق عام على عقد مؤتمر واسع للقوى الكردية في كل أجزاء كردستان في المنطقة. هذا المؤتمر يحتاج الى إعداد جيد. سيشارك فيه أكراد من إيران وسورية وتركيا والعراق. والهدف إيصال رسالة سلام وتعايش إلى شعوب المنطقة والعالم ودعوة إلى تقبّل وجود هذه الأمة. رسالة سلام ومحبة وليست رسالة استفزازية.

هل عقّدت أحداث كوباني علاقتك بتركيا؟
– لولا موافقة تركيا لما استطعنا الوصول إلى كوباني.

ألا يمر عناصر من «داعش» عبر حدود تركيا معكم؟
– من الصعب أن يحدث ذلك.

الأمر مختلف على الحدود التركية – السورية؟
– ذات يوم جاء شخص إيطالي وحاول أن يدخل الى الإقليم من تركيا. جاء في شكل قانوني ومعه جوازه. اكتشف جهاز الأمن في كردستان انه جاء بغرض الالتحاق بـ «داعش». وهو إيطالي أصلي وقد اعتُقِل. قصته غريبة. جاء ومعه تأشيرة دخول.

الأكراد معروفون بانقساماتهم أمام المنعطفات الكبرى. هل لديكم هذه المشكلة الآن؟
– إذا كانت لدى بعض السياسيين أفكار من هذا النوع فأنا واثق أن الشعب سيمنعهم من السير في مثل هذا الاتجاه. اي سياسي يسلك هذا الاتجاه سيفقد رصيده الشعبي ويخسر كل شيء.

هل تستطيعون الاستمرار في تحمُّل أعباء هذه الحرب، وهل تقومون حالياً باستثمار آبار النفط الواقعة في «المناطق المتنازع عليها»؟
– هناك اتفاق مع بغداد الآن على كيفية التعامل مع هذا الموضوع. في الحقيقة لولا تبرعات أبناء الشعب الكردي لحصلت كارثة. الحمد لله أنه على رغم قطع الموازنة عن الإقليم تحمّل أبناء الشعب تأخير الرواتب والمصاعب. التبرعات مستمرة والشعب الكردي لن يبخل بأي تضحية.

هل بدأت الرواتب في الوصول؟
– أعتقد أننا تلقينا دفعتين والمتوقع استمرار ذلك.

كيف تختصر الاتفاق الجديد مع حكومة حيدر العبادي؟
– هو تصدير كميات من النفط من الإقليم ومن حقول كركوك القديمة وهي بحدود 550 ألف برميل يومياً. تحوّل العائدات الى بغداد شرط حصول الإقليم على حصته من الموازنة وهي 17 في المئة.

الحقيقة ان العراق يعاني أزمة مالية خانقة، خصوصاً بعد هبوط أسعار النفط. خرجت الحكومة السابقة في وضع إفلاس وجاءت الحكومة الجديدة لتجد خزينة خاوية.

يُقال ان بلايين الدولارات ضاعت في الدهاليز؟
– عن البلايين الضائعة حدّث ولا حرج.

هل يمكن ان تضيع البلايين في بلد ما؟
– نعم، بعض السياسات يتسبب في إضاعة ملايين البشر وبلايين الدولارات. ونحن نعتبر البشر أثمن، لكن البلايين هي ملك الشعب ايضاً. للأسف أحوال العراق مأسوية.

قدتَ معارك شرسة ضد قوات صدام حسين وتقود الآن المعركة ضد «داعش»، ماذا تقول من معركة إلى أخرى؟
– لعلك تقصد معركة كبرى جرت في خواكورك في 1988 والمعركة الأخرى كانت في نيسان (ابريل) 1991، وكانت فاصلة. جرت هذه المعركة في مضيق كوري بين شقلاوة وصلاح الدين ولا تزال بقايا الدبابات المدمرة موجودة.

طبعاً أنا أفضّل أن نركّز جهودنا على التنمية ومستقبل أولادنا وأحفادنا، لكنها منطقة صعبة. أشعر أحياناً أن الأمر يتعلق بقَدَر الأكراد ويتعلق بقَدَري كواحد من أبناء هذا الشعب.

كنا نأمل بأن يؤدي طي صفحة نظام صدام إلى طي صفحة القتل والتهجير والتهديد والسياسات الرعناء والخيارات المدمّرة. للأسف لم يتعلم كثيرون مما عاشه العراق ومما دفعه العراقيون.

أنا في الأصل محارب من البيشمركة. لا أستطيع أن أبتعد حين أرى الأخطار تحدق بشعبي. هذا واجبي. أعرف الحرب وجرّبتُ أهوالها. جثث وبيوت محروقة وغازات سامة ونزوح واستغاثات. لكن حين يتهدّد وجودك لا خيار لك غير مواجهة الأعداء مهما كانت التضحيات.

لا أستطيع أن أصف لك مقدار الألم الذي يعتصرني حين يبلغني نبأ استشهاد عسكريين. لا أستطيع إلاّ أن أفكّر بحسرات أمهاتهم وفجيعة زوجاتهم وأطفالهم. للأسف لا تزال ثقافة الشطب والإلغاء والإرهاب وكراهية الآخر قائمة.

كنا نخطط لمزيد من التنمية وبناء المدارس والجامعات والتقدم الاقتصادي. جاء الظلاميون يريدون تدمير كل شيء. لولا هؤلاء الذين يستشهدون لصدّهم لكان الشعب الكردي أمام مأساة جديدة.

قدمتَ كل هذه التضحيات في مواجهة نظام صدام واليوم ضد «داعش». هل تستطيع قبول مجيء يوم لا تكون فيه رئيساً لإقليم كردستان؟
– وبكل رحابة صدر.

يا فخامة الرئيس لا أريد جواباً ديبلوماسياً.
– هذا شعوري الحقيقي. أحب أن أسلّم الأمانة إلى شخص آخر. يستحيل أن أقبل أن أكون رئيساً مدى الحياة. لا يمكن أن أسمح لنفسي بتكرار تجارب آخرين. أريد أن أغادر في وقت يطالبني الناس فيه بألاّ أترك. بتواضع أقول لك ان تاريخي النضالي وسمعتي هما أكبر من الكرسي الذي أجلس عليه.

هل هي المرة الأولى في تاريخ الأكراد التي يعيشون فيها سنوات في ظل علمهم ومؤسساتهم؟
– نعم.

كردستان المستقلة

أي طموح يبقى لديك؟
– ليس لدي طموح على الصعيد الشخصي. طموحي أن أرى كردستان دولة مستقلة.

كردستان العراق أم كل كردستان الموزّعة على أربع دول؟
– أنا أتحدث الآن عن كردستان العراق.

هل تشعر بمرارات التعايش في هذه المنطقة وصعوبته بين القوميات والمذاهب؟
– كانت المسألة أسهل قبل «داعش» على رغم ما اكتنفها من صعوبات. ظهور «داعش» ليس حادثاً عابراً، إنه تعبير عن مشكلات عميقة.

متى تجلّى الظلم الدولي في حق الأكراد؟
– في الحرب العالمية الأولى وبعدها. حين رسموا الخريطة وحرموا أمة كاملة من حقها. ألحقوا هذا بتركيا وذاك بإيران وثالث بسورية ورابع بالعراق. وزّعوا الأكراد من دون استشارتهم وقطّعوا أوصال أمتهم. هذا ظلم كبير. وعد الحلفاء الأكراد في معاهدة سيفر بإعطائهم حق تقرير المصير، لكنهم في معاهدة لوزان ألغوا هذا البند، وعلى أمل منحهم حقوقهم في البلدان التي سيعيشون فيها، لم يحصل الأكراد على حقوقهم في اي من هذه الدول.

يرأس مسعود برزاني إقليماً يشكّل نقطة جذب للأكراد. كم حجم انزعاج دول المنطقة من دورك؟
– إذا فكّروا بأسلوب منطقي، يجب أن يشكروني. الإقليم تصرّف كعنصر استقرار. يدنا ممدودة إلى جيراننا من أجل أفضل علاقات التعاون والتبادل التجاري والحفاظ على الأمن والاستقرار. أتحدث عن سياسة مارسناها وأعطت ثمارها. إننا نؤمن فعلياً بقيم التعايش وقبول الآخر ونبذ العنف والتهديد. أظهرنا أننا لسنا عامل تهديد لجيراننا بل عامل استقرار.

تريد لدول المنطقة أن تطمئن، ثم تتحدث عن حلم الاستقلال؟
– إننا في عالم جديد لم يعد فيه ممكناً الاستمرار في إلغاء الحقوق وإنكار تطلعات الشعوب. أنا أدعو دول المنطقة إلى تفهُّم تطلعات الأكراد. فليحصلوا على الأقل على حقوقهم حيث يعيشون. فليكن هناك حوار جدي معهم. إذا استمرت سياسة الإنكار سيبقى الوضع مهدداً بالانفجار. أنا أطرح سؤالاً بسيطاً: لماذا يحق للتركي والعربي والفارسي أن يكون سيد نفسه ولا يحق ذلك للكردي؟

كم يبلغ عدد الأكراد في المنطقة؟
– ليس أقل من أربعين مليوناً موزّعين في أربع دول.

هل تتخوف من أن تكون المواجهة المقبلة في العراق بين الشيعة والأكراد؟
– الجدل بين الشيعة والأكراد على طبيعة الحكم. لكنني لا أعتقد أن هناك مشروع مواجهة حول الأرض والنفط. أنا متفائل بإمكان التفاهم على حلول لكل المشاكل.

ألم تتخوّف في السنوات الماضية من أن يحاول نوري المالكي كسر شوكة البيشمركة؟
– كنت متأكداً أنه يرغب، لكنني كنت متأكداً في الوقت نفسه أنه لا يستطيع.

كان يرغب؟!
– نعم، كان يمنّي نفسه أحياناً، وكانت لديه أوهام، خُدِع وصدّق أن بإمكانه، لكنني كنت واثقاً بأنه غير قادر.

العبادي فرصة العراق الأخيرة

يخالجني شعور أن تجربة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي تشبه محاولة أخيرة لإنقاذ وحدة العراق. هل هذا دقيق؟
– نعم. أعتقد أنها الفرصة الأخيرة للعراق. ليس فقط بالنسبة الى علاقات إقليم كردستان مع العراق، بل أيضاً الى العراق بصورة عامة.

كيف تنظر الى خطوات حكومته؟
– خطوات جيدة حتى الآن. اتصلتُ مرات عدة بالأخ العبادي وأعربتُ له عن دعمنا وتأييدنا له. وهو قام بخطوات جيدة.

مثل؟
– إلغاء مكتب القائد العام والذي لم يكن قانونياً. كان موقفه إيجابياً في مفاوضات الاتفاق حول النفط والموازنة. يبدو العبادي متفهّما ومهتماً بالعثور على حلول. في السابق كانوا يبحثون عن المشاكل والأزمات.

من لعب الدور الحاسم في إخراج المالكي من الحكم؟
– في الحقيقة لا أعرف التفاصيل. شعرتُ أن الموقف الإيراني من هذا الموضوع كان يشهد تجاذباً بين وجهتَي نظر، تتمسك الأولى بالمالكي وتدعو الثانية إلى تغييره. كل وجهة نظر كان يمثلها تيار قوي. أعتقد أن المرشد آية الله علي خامنئي هو من حسم الموقف في النهاية مؤيداً التغيير. طبعاً لعب آية الله علي السيستاني دوراً كبيراً في توفير المناخ حين شدّد على التغيير لتسهيل الخروج من المأزق. بالنسبة إلينا كان الموقف واضحاً: لن نبقى في حكومة يرأسها المالكي في بغداد، ولن نبقى مع عراق يحكمه المالكي.

لعبتَ دوراً في تسهيل فوز المالكي بولاية ثانية، ثم ظهر هذا الكره المتبادل؟
– ليست مشاعر شخصية. إننا نتحدث عن مصالح بلد وناس. فوجئت فعلاً بمقدار الحقد الذي يحمله ضد الشعب الكردي على رغم علاقاتنا السابقة به. السلطة المطلقة مفسدة مطلقة. حصل تقصير في مجلس الوزراء والبرلمان ورئاسة الجمهورية. فُتِحت أمامه أبواب الاستئثار والتسلط. جمع كل السلطات في يده واعتبر نفسه حاكماً مطلقاً. أقول بأمانة إنني لم أتوقع منه هذا النهج. الإجراء الذي اتخذه ضد الإقليم لا يمكن نعته إلاّ بالعداء السافر والحقد الدفين. صدام حسين قَتَل لكنه لم يقطع الأرزاق.

كان هناك من أوهمه أنه إذا قطع الموازنة عن الإقليم فإن الشعب هناك سينتفض على «الحزب الديموقراطي الكردستاني» وعلى رئاسة الإقليم، ويقوم وضع جديد في إقليم كردستان يتيح للمالكي التحكم به كما كان يتحكم ببقية المناطق.

هل الوحدة الكاملة بين الأكراد مستحيلة؟
– أستطيع القول اليوم إن الأكراد موحدون ولديهم شعور بالمسؤولية وتحدّي الأخطار. إنهم يثقون بأنفسهم ثقة كاملة وإن ظهرت اختلافات في السياسة. لا خوف أبداً. من يخرج عن هذا الشعور العام سيضرّ بنفسه أولاً.

حُكِيَ كثيراً عن الفساد في بغداد، لكنهم يردّون أحياناً بالحديث عن فساد في أربيل. فما هو دورك؟
– إنه مجرد قطرة في بحر. لا أنكر وجود فساد في الإقليم، لكن لا يقاس بما حصل في بغداد. مكافحة الفساد عمل دائم.

ألا تخاف على أولادك المنخرطين في العمل العسكري والأمني؟
– إنهم من هذا الشعب وهذا واجبهم، وليسوا أعزّ من سائر أبناء البيشمركة. لديّ علاقة خاصة بعناصر البيشمركة. أعرفهم وأعرف آباءهم. أعرفهم ويعرفونني. لا يحق لي أن يذهب الآخرون إلى المعركة وأن أُبقي أبنائي بمنأى عنها. هم أنفسهم لا يقبلون. كاد أحد أبنائي أن يستشهد في واحدة من المعارك الأخيرة.

هل ضاعفتَ الإجراءات الأمنية حولك بعد اقتراب «داعش»؟
– يستحيل أن يصل «داعش» إليّ.

لماذا، هل لأن الحلقة المحيطة بك كاملة الولاء؟
– كل الحلقات كاملة الولاء. أنا واثق من شعبي وقواتنا. أنا لا أحسب لهذا الموضوع أي حساب. إجراءاتنا الأمنية هي الإجراءات الضرورية.

كنتَ على لائحة أهداف «القاعدة»؟
– نعم. والآن أنا مستهدف، لكنني متأكد أنهم لن ينجحوا.

وماذا لو صافحك شاب زعم أنه كردي وانفجر في كردستان أو الخارج؟
– إذا وقعتَ في أسر هذه الحسابات عندها لن تتحرك وتمارس دورك. أنا أؤمن بقضاء الله وقدره.

ألم تشعر بالخوف في هذه الأزمة؟
– أبداً. وكنتُ واثقاً أننا سنستوعب الخطر ثم ندفعه خارج مناطقنا. كنتُ متأكداً من النصر على رغم المصاعب.

أي الأيام كانت أصعب؟ الأيام الأولى؟
– نعم. الأسبوعان الأولان.

ألم تتخوّف في البداية أن يحدث للبيشمركة ما حدث للجيش العراقي؟
– كنتُ أخشى حصول ارتباك في بعض المناطق، لكنني لم أتخوّف من انهيار عام. سارعنا إلى إعادة توزيع قواتنا. احتجنا إلى بضعة أيام حصلت خلالها بعض الخروق التي كنا نسارع إلى معالجتها.

هل كان حادث كركوك الأخير شديد الخطورة؟
– لا أقول إنه كان سهلاً، لكن لم يكن خطراً إلى هذه الدرجة. أقول بوضوح: كركوك لن تسقط. يمكن أن تحصل بعض الاختراقات في بعض المناطق بفعل المباغتة أو الإهمال. كركوك لن تسقط في يد «داعش».

قرأتُ اليوم عن دعوات إلى إرسال خمسة آلاف عنصر من «الحشد الشعبي» للمساهمة في الدفاع عن كركوك؟
– لسنا في حاجة إلى «الحشد الشعبي» ولن نسمح بدخول أي قوات إلى كركوك. إذا احتجنا نحن سنطلب من أصدقائنا وحلفائنا. الآن لسنا في حاجة إلى قوات لا من «الحشد الشعبي» ولا من أحد.

إذا أراد الجيش العراقي العودة إلى التمركز في كركوك ماذا تفعلون؟
– يجب أن يحدث تفاهم. كيف يرجع؟ ولماذا يرجع؟ وماذا سيفعل؟ وأين تكون البيشمركة وأين يكون الجيش وأين يكونان معاً؟ الأمور بعد الآن يجب أن تكون واضحة وبالتفاهم.

هل أفهم أنك لست مستعداً للعودة إلى الغموض الذي كان سائداً قبل الأحداث؟
– نعم. لا الشعب الكردي مستعد ولا أنا. ليس من مصلحة العراق إبقاء الغموض سائداً. لا نريد العيش إلى الأبد في الغموض والقلق والتوتر.

هل تعتقد أن أميركا وإيران تتجهان نحو اتفاق في الموضوع النووي؟
– تقريباً.

علاقاتك طيبة مع إيران؟
– نعم ليست هناك مشاكل.

ومع أميركا؟
– نعم ساعدتنا وتساعدنا.

هل يؤثر الاتـفاق الأميركي- الإيراني في حال حصوله في إقليم كردستان؟
– أعتقد أنه سيؤثر إيجاباً لأنه سيخفّض التوتر بين الدولتين في المنطقة.

هل يمكن القول إن الدور الإيراني الكبير هو في بغداد أكثر منه في أربيل.
– طبعاً.

 

 
 
 

لا تعليقات حتى الآن

كن أول شخص يعلق ع المقالة و شاركنا وجهة نظرك.

 
 

ماذا عن وجهة نظرك - بإمكانك المشاركة برأيك حول الموضوع


نحن نقدّر التعليق الذي تأخذه من وقتك لتكتبه الآن، فهو لا يساوي تعليقًا مجردًا، بل رأيًا نعتز به ونحترمه مهما كان مغايرًا، ومن المفترض أن تحترم أنت أيضًا الرّأي الآخر، وتلتزم النقد البنّاء الخالي من الشّخصنة أو الافتراء.